Breadcrumb
حوار خاص: رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة يقول إن قراراتها تمثل "ضمير الإنسانية"
يعتبر قرار الجمعية العامة الأخير الذي يدعو إلى هدنة إنسانية في غزة مجرد مثال واحد يوضح كيف أن الهيئة الأكثر تمثيلا في الأمم المتحدة ــ والتي تضم كافة الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة ــ تعكس "الضمير العالمي".
وفي هذا السياق قال دينيس فرانسيس رئيس الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة، إن قرارات كهذه لا يمكن أن تحصل على الإجماع "ولكن عندما تتمكن من الحصول على أكثر من ثلثي الأصوات في الجمعية العامة، فهذا رمز قوي، ورسالة قوية على الاتفاق والتوافق".
الحقوق المتساوية
باعتبارها الهيئة الرئيسية لصنع السياسات في الأمم المتحدة، فإن الجمعية العامة هي المكان الذي تتمتع فيه جميع الدول الأعضاء بصوت متساوٍ على صعيد مجموعة واسعة من القضايا المعروضة عليها، بما في ذلك المسائل المتعلقة بالسلم والأمن.
وقال فرانسيس، إنه على الرغم من أن بعض قراراتها غير ملزمة، إلا أنها "تشكل إعلانا سياسيا من جانب أغلبية أعضاء المجتمع الدولي".
تولى فرانسيس رئاسة الجمعية العامة في شهر أيلول /سبتمبر لولاية مدتها سنة، ومنذ ذلك الحين، قاد اجتماعات حول موضوعات تشمل إنقاذ أهـداف التنمية المستدامة، والاستعداد للجوائح العالمية المحتملة القادمة، وضمان التغطية الصحية الشاملة لجميع الناس وإصلاح مجلس الأمن الدولي.
للتعرف على أولوياته، تحدث فريق أخبار الأمم المتحدة مع الدبلوماسي المخضرم من ترينيداد وتوباغو، الذي سلط الضوء على أهمية دور الجمعية العامة وشدد على ضرورة تفاعل منتقدي الأمم المتحدة مع المنظمة الدولية.
المزيد في الحوار التالي:
(ملاحظة : تم تحرير هذه المقابلة لمراعاة عوامل طول المقال ووضوحه.)
أخبار الأمم المتحدة: في خطابك الأول أمام الجمعية العامة، ذكّرت قادة العالم بتركيزك على 4 مجالات: السلام والازدهار والتقدم والاستدامة. وكل هذه الأمور معرضة للخطر إلى حد ما. كيف يمكنك ضمان أن البلدان سوف تتحد للتصدي لهذه المخاطر؟
دينيس فرانسيس: إنهم متحدون، في المقام الأول من خلال أهداف التنمية المستدامة وخطة عام 2030 لأنها خطة تنمية موحدة واسعة النطاق تجمع أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 193 عضوا لاتخاذ إجراءات متضافرة من أجل انتشال الناس من الفقر والحرمان والجوع وسوء التغذية، وتهيئة الظروف لتحويل العالم ليعمل بشكل أكثر استدامة. فالأمر يتعلق بالكوكب بقدر ما يتعلق بالناس.
لكننا متحدون أيضا بطرق أخرى، لأنه عندما ينتهك السلام والأمن، كما حدث في العامين أو الثلاثة أعوام الماضية على وجه الخصوص، فإن تأثير ذلك له عواقب على الجميع.
من مصلحتنا جميعا تعزيز وتأمين السلام لأن الافتقار إلى السلام، وعدم الانسجام، يقوض النظام [العالمي] ويعقد جميع الأهداف والغايات العظيمة الأخرى التي لدينا.
أخبار الأمم المتحدة: ذكرت اضطرابات السلام والأمن، ولا يمكننا أن نمضي دون الحديث عما يحدث حاليا في الشرق الأوسط. هل تستطيع الجمعية العامة أن تمارس أي تأثير هنا؟
دينيس فرانسيس: لقد نجحنا في ذلك لأنه قبل ثلاثة أسابيع، اعتمدت الجمعية العامة أول قرار يصدر عن المنظومة الأممية بشأن الوضع في غزة، ويدعو إلى وقف إطلاق النار، والإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن وتقديم المساعدات الإنسانية والدعم.
لنضع في السياق حقيقة أنه في ذلك الوقت، كان مجلس الأمن قد اجتمع وحاول الاتفاق على قرار في أربع مناسبات منفصلة، ولكنه فشل في ذلك. إلا أن الجمعية العامة تمكنت في الواقع من التوصل إلى قرار حظي بإجماع واسع النطاق: وأعتقد أن 121 دولة أيدته.
أعتقد أن ذلك كان مساهمة كبيرة قدمتها الأمم المتحدة لأننا، تعزيزا لأهداف ميثاق الأمم المتحدة لإنقاذ البشرية من ويلات الحرب، تمكنا من تقديم هذا القرار كوسيلة لوقف الحرب.
قلنا بوضوح في ذلك القرار أن ما تطلبه الجمعية العامة وترغب فيه هو وقف إطلاق النار من أجل إنقاذ الأرواح البشرية - فمقتل 11 ألف شخص نتيجة لما يحدث في غزة هو رقم كبير للغاية. إنه أمر لا يوصف وغير مقبول. ولذلك، فقد طالبنا بذلك، ولكننا أكدنا أيضا على ضرورة قيام حماس بإعادة الرهائن إلى عائلاتهم دون قيد أو شرط.
أخبار الأمم المتحدة: كما ذكّرتمونا، فإن الجمعية العامة توحد جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة. على الرغم من أن قراراتكم ليست ملزمة في جميع الأحوال، هل تحمل وزنا أخلاقيا؟
دينيس فرانسيس: طبعا. إنها تشكل إعلانا سياسيا من جانب أغلبية أعضاء المجتمع الدولي. وبطريقة ما، فهي تخلق نوعا من القانون اللين لأن قرارات الجمعية العامة تمثل، إلى حد ما، ضمير الإنسانية، وجهة النظر السائدة للإنسانية.
نحن لا نحصل أبدا على الإجماع في [مثل هذه] القرارات، ولكن عندما تتمكن من الحصول على أكثر من ثلثي الأصوات في الجمعية العامة، فهذا رمز قوي، ورسالة قوية للاتفاق والتوافق. هذا ما تمكنا من القيام به. إن دعوتنا لجميع الأطراف المعنية هي لاحترام هذا القرار وتنفيذه إلى جانب القرار الذي تم الاتفاق عليه يوم الأربعاء في مجلس الأمن.
أخبار الأمم المتحدة: أعلم أنك ذكرت أن هذا يعكس ضمير غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لكن هل هذا يكفي؟ قد يقول بعض الناس أن هذا يشبه إلى حد ما النسخة الدبلوماسية من عبارة "إنما الأعمال بالنيات".
دينيس فرانسيس: لكن النية مهمة في هذه الحالة. إذا استمعت بعناية إلى المواقف ووجهات النظر التي يتم التعبير عنها، فإن النقاش الكبير يدور حول المبادئ والقيم، وبالتالي فإن النية لها أهميتها. تتشكل السياسات فقط بقدر ما تكون هناك وجهات نظر مختلفة، لذا فإن النية مهمة وقوية.
ولهذا السبب فإن القرار الذي يتم إقراره في الجمعية العامة يكتسب درجة عالية من الأهمية لأنه يحمل رسائل سياسية قوية. ولهذا السبب تتفاوض البلدان على هذه القرارات بهذا الكم من الطاقة والتفاني لأنها تقدر التأثير المحتمل الذي ستحدثه بشكل علني.
إن معظم البلدان على حد علمي لا تشعر بالارتياح إزاء شعورها بالعزلة السياسية. فالدول مثل البشر. يحب البشر أن يكونوا موضع تقدير ومحبة، ويحبون أن يشعروا باحترام ودعم أصدقائهم، ويريدون المشاركة، ويريدون التحدث. هذه طبيعتنا.
إن الدول لا تختلف في ذلك لأنه عندما تقوم ببناء جسور العلاقات هذه، فإن ذلك يوسع المساحة التي يمكن من خلالها التصرف كدولة ذات سيادة. عندما لا تكون تلك العلاقات الداعمة موجودة، فإن الخيارات المتاحة تضيق بشكل كبير.
وهذا هو المغزى من قرار الجمعية العامة. فهو يوفر الرسائل التي يمكن أن تحدث فرقا كبيرا على المستوى السياسي. وبما أن الرأي العام يلعب دائما دورا في هذه الأمور، فيجب أن نضع ذلك في الاعتبار.
أخبار الأمم المتحدة: أحد أبرز شواغلكم هو وضع الدول الأقل نموا. العديد منها محاصر بالديون بسبب الهيكل المالي الحالي. وقد قال الأمين العام للأمم المتحدة عدة مرات أيضا إن هذه مؤسسات عفا عليها الزمن. هل لك أن تخبرنا ما هو الإجراء الذي يمكن أن تتخذه الجمعية العامة في هذا الصدد؟
دينيس فرانسيس: إن الهيكل المالي العالمي أصبح قديما. تم تأسيسه في أواخر الأربعينيات عندما لم تكن معظم الدول الموجودة الآن موجودة على الإطلاق. إن ما يسمى بالجنوب العالمي، أو مجموعة الـ 77 والصين التي أعتقد أنها تضم نحو 140 دولة، لم يكن لها وجود.
إذن، فقد تم تصميم الهيكل المالي العالمي في وقت مختلف بأهداف وغايات لم تأخذ في الاعتبار الاحتياجات والأولويات التنموية ولا خصوصيات البلدان النامية.
على سبيل المثال، تواجه الدول غير الساحلية صعوبات كبيرة. تتضاعف تكلفة كل شيء في دولة غير ساحلية مقارنة بمتوسط الدول الساحلية لأنها معزولة عن البحار. ويتعين على المستهلكين الذين يعيشون في تلك البلدان أن يدفعوا ضعف ما يدفعه المستهلك العادي في الدول الساحلية. وهذا يشكل مشقة. والأمر نفسه ينطبق على الدول الجزرية الصغيرة النامية، التي يعاني العديد منها من العزلة بسبب بعدها عن الأسواق العالمية.
لقد أعطيت الأولوية لهذه المجموعة من الدول التي تعاني من أوضاع هشة لأنها مجهدة من الناحية التنموية.
ولم يتم تصميم النظام ليأخذ في الاعتبار أو ليلبي احتياجات تلك البلدان ويساعدها ويدعمها للارتقاء في سلم التنمية بطريقة مستدامة.
أخبار الأمم المتحدة: أود أن أسألك عن الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة في أيلول/سبتمبر. بالطبع، كانت هذه المرة الأولى لك كرئيس، لكنك لست غريبا عن الأمم المتحدة. هل كان هناك أي شيء خاص أو أي شيء مختلف هذا العام؟
دينيس فرانسيس: لقد كان الأمر مختلفا تماما لأن الأسبوع رفيع المستوى كان يتألف من عدد من العناصر المنفصلة المهمة للغاية. كان أحدها قمة أهداف التنمية المستدامة التي كانت ناجحة تماما، وأهنئ الأمين العام في هذا الصدد. ولكننا اعتمدنا أيضا خلال ذلك الأسبوع ثلاثة إعلانات مهمة بشأن القضايا الصحية.
وكما تعلمين، فقد كشفت الجائحة بالفعل الكثير عن الطريقة التي ننظم بها أنفسنا في الوقت الحاضر. وكانت هناك رغبة للتفكير في الدروس المستفادة بشأن التأهب العالمي في حالة حدوث جائحة أخرى. وبالمناسبة، ظل علماء المناخ يحذروننا من أنه بسبب ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، من المحتمل أن تكون هناك جوائح أكثر تواترا ومن المرجح أن تكون أكثر فتكا.
لذا فإن البراغماتية تملي علينا الاستعداد للتعامل بشكل أفضل مع الجوائح المستقبلية. واتفق رؤساء الدول والحكومات على إعلان بشأن التأهب لمواجهة الجوائح والوقاية منها والاستجابة لها. كما اتفقوا على وثيقة حول الرعاية الصحية الشاملة، وإعلان حول مرض السل الذي ينتشر من جديد.
أخبار الأمم المتحدة: هناك انتقادات من قبل البعض بأن الأمم المتحدة عفا عليها الزمن وأصبحت غير فعالة، وبالتالي فهم ينتقدون الجمعية العامة أيضا. ما قولك في مثل هذه الانتقادات؟
دينيس فرانسيس: أولا وقبل كل شيء، للناس الحق في التعبير عن آرائهم. إلا أنني أود أن أشجعهم على التفاعل معنا أكثر قليلا لأن ما يراه الناس في مقطع إخباري مدته دقيقة واحدة لا يمثل مجمل عمل الأمم المتحدة.
ومع ذلك، أود أن أقول أيضا إن الأمم المتحدة نفسها تلمس أن هناك نوعا من الخمول وخيبة الأمل بشأن أدائها في الآونة الأخيرة.
ولكن اسمحوا لي أن أقول هذا: الأمم المتحدة ليست صنيعة منفصلة. إنها تتألف من 193 حكومة ذات سيادة. إن كلمة "السيادة" مهمة للغاية لأنها تعني أن تلك الحكومات يمكنها أن تتخذ قرارات بناءً على مصالحها وأولوياتها الوطنية.
ما تفعله الأمم المتحدة هو إنشاء منصة لها للتلاقي ولمحاولة الاتفاق على أساليب مشتركة للتعامل مع المشاكل العالمية المختلفة.
لذا، سأطرح هذا السؤال: إذا لم تعد الأمم المتحدة ذات أهمية، فبماذا يمكن استبدلها؟ ولذلك، أقول للناس، الحمد لله على وجود الأمم المتحدة لأنها تخلق منصة تشتد الحاجة إليها للتنسيق والتشاور والتعاون بين 193 دولة، والتي لولاها لما كانت لديها أي وسيلة أو فرصة للالتقاء والتنسيق وحل المشاكل والقضايا العالمية.
هذا إنجاز قوي – ومن المرجح أن يكون رائدا - حققته الأمم المتحدة على مر السنين ــ فضلا عن النجاح بتفادي نشوب حرب عالمية ثالثة.