Breadcrumb
الناطق باسم الأونروا في غزة يتحدث عن مدرسة الفاخورة والاحتياجات الهائلة و"النكبة الثانية"
قال عدنان أبو حسنة المستشار الإعلامي لوكالة الأونروا في قطاع غزة إن آخر المعلومات تفيد بمقتل وإصابة نحو 200 شخص إثر الهجوم على مدرسة الفاخورة التابعة للوكالة شمال غزة، حسب أرقام وزارة الصحة الفلسطينية. وأكد أن الأونروا تشارك إحداثيات مدارسها ومنشآتها يوميا مع كل الأطراف.
في حوار هاتفي، أكد السيد أبو حسنة الموجود في غزة عدم وجود مكان آمن في القطاع. وأثناء إجراء الحوار، سمعنا صوت قصف قريب اهتز على أثره المبنى الذي كان يحدثنا منه.
يمكنكم الاستماع إلى هذه اللحظة من الحوار عند الدقيقة 3:30 من الحوار الكامل.
تحدث أبو حسنة مع أخبار الأمم المتحدة عن الاحتياجات الهائلة في غزة في ظل وضع غير مسبوق لم يتخيل هو نفسه، مع خبرته الطويلة مع الأونروا في غزة، أن يراه. ومشيرا إلى نزوح مئات آلاف الأشخاص، قال "إن الفلسطينيين يمرون بنكبة جديدة وقد عادوا إلى الصفر من جديد".
فيما يلي نص الحوار مع السيد عدنان أبو حسنة المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) في غزة.
أخبار الأمم المتحدة: ما هي آخر المعلومات لديك حول الهجوم على مدرسة الفاخورة التابعة للأونروا ومدرسة تل الزعتر شمال غزة؟
عدنان أبو حسنة: هذه المدرسة هي مدرسة شهيرة بالنسبة للأونروا. تعرضت في السابق مرتين للإصابة عامي 2008 و2014، وقُتل وجرح العديد من الفلسطينيين أيضا في ذلك الوقت. تقع المدرسة وسط مخيم جباليا، الذي قد يكون الأكثر اكتظاظا على وجه الأرض.
حتى الآن، الأرقام التي وصلتنا حسب إحصائيات وزيرة الصحة الفلسطينية تحدثت عن سقوط مئتي شخص جراء هذا القصف. المدرسة معروفة لكل الأطراف بما في ذلك الجانب الإسرائيلي. وهناك إحداثيات أرسلت لجميع الأطراف كما هو الحال مع جميع المدارس، بأن هذه مراكز إيواء وأن هذه المدراس تؤوي آلاف بل مئات آلاف النازحين. لدينا حوالي 830 ألف نازح في 154 مركز إيواء.
أخبار الأمم المتحدة: هل يوجد موظفون للأونروا في هذا الملجأ؟
عدنان أبو حسنة: بصراحة ليست لدينا معلومات عما إذا كان يوجد موظفون بالمدرسة أم لا. قد يكون هناك متطوعون. لكن بالنسبة لنا، بعد الثاني عشر من تشرين الأول/أكتوبر قُطعت الاتصالات مع شمال قطاع غزة ومدينة غزة، ولا نعرف إذا كان هناك موظفون أم لا.
أخبار الأمم المتحدة: غالبية موظفي الأونروا من الفلسطينيين ولاجئي فلسطين، وقد دفعوا ثمنا باهظا في هذه الحرب إذ قُتل منهم أكثر من مئة موظف، ولكنك تسمع أيضا انتقادات لاذعة موجهة للوكالة من المدنيين الذين يعانون ويفقدون أحباءهم، ما الذي تود أن تقوله لهم في هذه الظروف؟
عدنان أبو حسنة: كل الخطط التي كانت موجودة لدينا بُنيت على أساس أن عدد النازحين سيكون 150 ألفا. لم نكن نتصور أننا سنكون مسؤولين عن 2.3 مليون شخص. اليوم كلهم بحاجة إلى المساعدات، منهم 830 ألفا في مراكز الإيواء (التابعة للأونروا) نقدم لهم مساعدات وغذاء وماء ورعاية صحية ودعما نفسيا. وهناك مئات الآلاف الآخرون موجودون حول مراكز الإيواء أو في الطرقات، ومطلوب منا أيضا أن نقدم لهم المساعدات ونرعى شؤونهم ونوفر لهم الخدمات في عياداتنا أو المساعدات خارج مراكز الإيواء.
الحدث كبير وجلل ويفوق إمكانيات الأونروا، ويفوق حتى إمكانيات دول. هناك أحياء كاملة دُمرت، مئات الآلاف خرجوا من بيوتهم لا يملكون أي شيء. نحاول جاهدين أن نقدم كل ما لدينا. كل ما يدخل من معبر رفح يتم توزيعه مباشرة. لكن الاحتياج كبير، وما يدخل هو شيء بسيط للغاية....(صوت انفجار) هذا صوت قصف الآن، هل تسمعينه؟
أخبار الأمم المتحدة: الذي سمعناه الآن هو قصف؟
عدنان أبو حسنة: نعم قصف، بالقرب من المكان الذي أوجد فيه.
أخبار الأمم المتحدة: في رفح جنوب غزة؟
عدنان أبو حسنة: نعم في رفح. حتى البيت اهتز بطريقة معينة. كنت أقول إن الاحتياج كبير، والمطلوب أن نقدم الكثير لكن الإمكانيات محدودة. ما يدخل عبر معبر رفح هو نقطة في بحر الاحتياجات الإنسانية. لذلك نتفهم غضب الناس. إنهم فقدوا كل شيء. هي نكبة حقيقية، نكبة ثانية للفلسطينيين. دُمرت بيوتهم، لا يملكون أي شيء. مشاهد النزوح تذكرهم- وهذا موجود في الذاكرة الجمعية للفلسطينيين- بمشاهد عام 1948، لذلك الناس غاضبة ومستاءة تحتاج الكثير والإمكانيات محدودة للأسف الشديد.
أخبار الأمم المتحدة: وهم يتوقعون من الأونروا الدعم والحماية، لكنكم في الوقت الراهن لا تمتلكون هذه الإمكانيات؟
عدنان أبو حسنة: نعم. لدينا خمسة آلاف موظف يعملون الآن على الأرض، كما تعرفين قُتل منهم 103، وهو الرقم الأكبر. لم يُقتل في تاريخ الأمم المتحدة منذ إنشائها، هذا العدد من موظفيها في شهر. لكننا نحاول جاهدين أن نقدم هذه الخدمات والعمل ليلا ونهارا في مراكز الإيواء وخارجها أو في العيادات.
ونحاول أيضا الوصول إلى كافة سكان قطاع غزة، رغم أن تفويض الأونروا هو العمل مع اللاجئين لكننا الآن نعمل مع اللاجئين وغير اللاجئين، لأننا الجسم الوحيد الذي ما زال متماسكا في قطاع غزة، رغم كل الأخطاء المحيطة بعملياتنا ورغم النقص في كل شيء، إلا أننا مصممون على البقاء في غزة ومواصلة خدمة اللاجئين.
أخبار الأمم المتحدة: نتحول إلى الحديث عن الوقود وهو عنصر أساسي للعمليات الإنسانية المنقذة للحياة، أعلنت الأونروا أن كميات من الوقود دخلت قطاع غزة يوم السبت، كم يكفي ذلك لمواصلة أنشطتكم وهل يعني هذا وجود اتفاق لإدخال الوقود بصورة مستدامة؟
عدنان أبو حسنة: هناك اتفاق معين، وإحدى وكالات الأمم المتحدة تقود هذه العملية بدعم من الأونروا وبقية الوكالات الأممية. ما يهمنا هو العمليات الإنسانية في قطاع غزة وعمليات الأونروا.
نحن بحاجة إلى 160 ألف لتر من الوقود يوميا، حتى نحافظ على مستوى معقول من الخدمات الإنسانية. لا نتكلم عن القطاع الخاص أو المصانع، بل نتحدث عن عمليات إنسانية تتعلق بتحلية المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي والمشافي والآبار التابعة للبلديات. تتعلق بعمليات الأونروا، لدينا مئات العربات والشاحنات التي تتحرك من وإلى المعبر لنقل المواد الغذائية والموظفين.
هذا ما نطلبه، لا نطلب أي شيء أكثر من ذلك. وهناك ضمانات، الجانب الإسرائيلي يعرف تماما بأننا إذا تسلمنا الوقود لا يمكن على الإطلاق لأي فصيل فلسطيني سياسي أو غير سياسي أن يحصل على نقطة من هذا الوقود.
أخبار الأمم المتحدة: ولكن الذي دخل إليكم من الوقود لا يكفي؟
عدنان أبو حسنة: لا يكفي على الإطلاق. نحتاج على الأقل إلى 160 ألف لتر من الوقود يوميا كي نحافظ على عمل الخدمات، ولا نتحدث هنا عن الجودة. نتحدث عن تشغيل محطات الصرف الصحي حتى لا تحدث كارثة بيئية وتتفشى الأمراض إذا توقفت هذه المحطات، نتحدث عن مياه شرب لا أكثر ولا أقل.
أخبار الأمم المتحدة: آخر سؤال سيد عدنان كيلا أطيل عليك. لك تاريخ طويل في العمل مع وكالة الأونروا في غزة، كيف تقارن بين هذا الوضع وغيره حتى في أوقات الأزمات المتعددة التي شهدها قطاع غزة؟
عدنان أبو حسنة: نعم أنا شهدتُ حروبا كثير قبل ذلك في غزة، لكنني لم أرَ حجم هذه المأساة. إنها نكبة جديدة للفلسطينيين. لم أكن أتوقع أن أرى مئات الآلاف من النازحين الذين تركوا كل شيء.
لم أرَ في حياتي، إزالة أحياء كاملة عن الوجود في مدينة غزة. رأيت أناسا، هم سكان مدينة غزة الأصليون، الذين لم يغادروا غزة منذ آلاف السنين ولكن اليوم أصبحوا لاجئين ونازحين في مدينة جديدة.
الكل مصاب بصدمة شديدة. تشعرين بأنه كابوس. البعض لا يصدق بأن ما حدث قد حدث بالفعل. اليوم قابلتُ شخصا أتى إلى مقرنا ليطلب تسجيله في إحدى المدارس (مركز إيواء).
بدأ يتحدث ويقول إنه فقد 5 من أبنائه وزوجته وأخته. كان يتكلم بطريقة عادية، هو غير مدرك حتى الآن، ما زال في مرحلة الصدمة. قال إنه يريد أن يبحث عن مكان ليلجأ إليه لأنه لا يملك نقودا ولا أي شيء. قال لي إنه أتى بملابسه فقط.
وعندما عرّفني باسمه، عرفت أنه من إحدى العائلات ذات الوضع الجيد في غزة التي تمتلك أعمالا، والآن أصبح لا يملك أي شيء فجأة. وهكذا، يفقد الأسرة، يفقد العمل، يفقد كل شيء، ليبحث الآن عن مكان يلجأ إليه يشعر فيه بالأمان لنوفر له بعض الماء والمواد الغذائية التي لا يتسلمها كل يوم.
هذه المعضلة الكبرى التي يعيشها مئات الآلاف من الفلسطينيين، بجانب عدم الإحساس بالأمان. يعني إذا كنت في مدارس الأونروا، وترفع العلم الأزرق لا تشعر بالأمان، في الشارع لا تشعر بالأمان، في العربات لا تشعر بالأمان. هذا إحساس لم أشعر به قبل ذلك في غزة، لم أعشه لا أنا أو غيري من الموظفين.
وأحيانا أنا نفسي أقف وأفكر، عن ماذا أتحدث؟ هل أتحدث عن المعاناة الجمعية؟ أم معاناة الأفراد والحكايات والروايات؟ كل إنسان لديه قصة، قصة فقدان الأهل والمال والعقار والأرض، وكل شيء.
مرة أخرى يعود الفلسطينيون إلى الصفر. ولا أحد يصدق حتى الآن كيف يمكن أن تتزن الأمور. لا أحد يعرف. والسؤال المركزي الذي يطرحونه دائما هو: كيف ترون الأمور، ما الذي يمكن أن يحدث؟ فلا أحد يستطيع أن يجيب بصراحة.