Breadcrumb
تقرير ميداني: خيارات الأفغان تنفد فيما تشتد الحاجة إلى بديل لزراعة خشخاش الأفيون
مع استمرار الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في أفغانستان وفي ظل ندرة الوظائف، تجد نساء قرية دوغاباد طرقا مبتكرة لتأمين احتياجات أسرهن، حتى في الوقت الذي تبدو فيه حياتهن قاتمة أكثر من أي وقت مضى. ففي هذا الحي الفقير من العاصمة كابول تتولى النساء موقع القيادة رغم كل الصعاب.
حطمت القيود التي فرضتها سلطات الأمر الواقع (طالبان) على تعليم وتوظيف النساء والفتيات أحلام العديد من النساء هنا، لكنها لم تقضِ على عزيمتهن.
يبذل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أقصى ما يمكن، من خلال شريكه المنفذ اللجنة الدنماركية لمساعدة اللاجئين الأفغان، لتمكين النساء من خلال مشاريع "التنمية البديلة".
تركز هذه المشاريع على تزويد صغار المزارعين الريفيين والمجتمعات المتضررة من المخدرات، بأنشطة مشروعة مدرة للدخل لتقليل اعتمادهم على زراعة خشخاش الأفيون والمخاطر المرتبطة بذلك.
قضى فريق أخبار الأمم المتحدة بعض الوقت مع نساء هذه القرية الصغيرة الواقعة فيما يعرف بمنطقة الشرطة 7 بمدينة كابول. وزار الفريق أيضا ولاية ننغرهار في الجزء الشرقي من البلاد حيث رأينا في مقاطعتي غوشتا وسرخرود الريفيتين كيف تساعد هذه المشاريع الأفغان البسطاء على تغطية نفقاتهم، لا سيما بعد قرارات طالبان القاسية التي أغلقت أبواب الفرص أمام النساء، وتركت مزارعي خشخاش الأفيون السابقين بدون وسائل عملية ليعتاشوا من أراضيهم.
يتم تزويد المستفيدات من مشروع التنمية البديلة في دوغاباد بالأعلاف والدواجن والتدريب على تربيتها، بهدف إعطاء العائلات والمجتمعات المتضررة من المخدرات بعض الشعور بالأمن الغذائي والدخل الأساسي.
تعمل مريم* لدى اللجنة الدنماركية لمساعدة اللاجئين الأفغان، مديرة لتمكين المرأة. كانت قد أوشكت على الانتهاء من درجة الماجستير في إدارة الأعمال قبل فرض الحظر على تعليم النساء.
أخبرتنا أن عملها يمنحها الشعور بالقوة لأن برامج كهذه تمنح النساء الضعيفات في أفغانستان الفرصة للحصول على الاستقلال المالي في المستقبل، فضلا عن القدرة على دعم أحبائهن.
تقول إن وظيفتها هي تحفيز النساء والفتيات اللواتي تخدمهن على المثابرة، ورسالتها بسيطة.
"أقول لهن: أرجو منكن الاستمرار. يوما ما سيحدث شيء إيجابي وستتغير الحياة. لن أفقد الأمل ولن أتخلى عن هذه الفرصة أبدا. سأحاول. بغض النظر عن مدى صعوبة الموقف، سأبذل قصارى جهدي".
أحلام محطمة
تفوق مؤهلات العديد من النساء المشاركات بالمشروع نوع العمل الذي يقمن به، لكن البقاء على قيد الحياة يفوق جميع الاعتبارات. كانت فاطمة* تدرس أيضاً للحصول على درجة الماجستير في الإدارة الاقتصادية وكانت تعمل مترجمة قبل الحظر. فقد والدها وظيفته بعد سيطرة طالبان على السلطة، حيث كان يعمل سائقا لدى إحدى المنظمات الحقوقية على مدى 17 عاما.
"لم يكن لدينا أي شيء لنأكله. اقترضنا المال من أناس كثر لمجرد البقاء على قيد الحياة، على الأقل حتى يجد والدي وظيفة. لكنه لم يجد أي وظيفة. لهذا السبب اضطررنا إلى بيع منزلنا".
تستأجر الأسرة المكونة من تسعة أفراد الآن منزلا صغيرا في الحي، وعلى الرغم من أن الدخل غير كاف، يعتبر هذا المشروع شريان حياة بالنسبة لهم.
حصلت سارة* البالغة من العمر ثمانية عشر عاما على شهادتها الثانوية قبل تطبيق الحظر بقليل. بالإضافة إلى عملها في تربية الدواجن، تتطوع حاليا في مدرسة صغيرة خاصة للأطفال الذين لا يستطيعون تحمل الرسوم الدراسية.
"أحب طلابي كثيرا، وأشعر بالقوة من خلال مساعدتهم على أن يصبحوا أشخاصا أفضل".
كانت تحلم بأن تصبح طبيبة، لكن في الوقت الحالي، يبدو هذا الحلم بعيد المنال.
حقول الخشخاش تتحول إلى بساتين
منذ عام 2016، دعم مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أكثر من 85 ألف أسرة من خلال مشاريع التنمية البديلة. اتبعت الوكالة الأممية استراتيجية قصيرة ومتوسطة المدى لضمان الأمن الغذائي للمستفيدين من برامجها، فيما أنشأت نماذج مستدامة تغري المزارعين للكف عن تجارة الأفيون.
تتطلب عملية تحويل حقل خشخاش الأفيون إلى بستان سنوات طويلة والكثير من الصبر، ولكن يمكن أن تكون مربحة للغاية إذا تم تنفيذها بشكل صحيح.
"بمجرد تحويل الحقل إلى بستان، سيبقى على هذا النحو على المدى الطويل، وهناك احتمال أقل أن يعود المزارع مجددا إلى زراعة الخشخاش".
هذا ما قاله السيد هداية الله سابي، منسق برامج التنمية البديلة لدى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
زار فريق أخبار الأمم المتحدة بستانا مع السيد سابي في مقاطعة غوشتا الريفية، على بعد ساعة ونصف شرق مدينة جلال أباد، عاصمة ولاية ننغرهار. وبينما لم تُستخدم هذه الأرض في السابق لزراعة خشخاش الأفيون - المكون الرئيسي للهيروين - فقد دعم المكتب إنشاء بستان فيها كإجراء وقائي، وقد استخدمها كدليل لتدريب المزارعين الآخرين.
مستقبل مشرق
كان نظام الري بالتنقيط الذي تم تركيبه في هذه الأرض، والتي تضم ما يقرب من 1100 شجرة ليمون، منقذا لمالك الأرض الحاج محمد إقبال وموظفيه. لقد أدى هذا النظام إلى زيادة إنتاجه بشكل كبير، وسمح له بتوظيف عمال دائمين. بالإضافة إلى ذلك، مع استمرار نمو المحصول، فقد توفرت فرص عمل لما يصل إلى 20 عاملا موسميا.
وأوضع الحاج محمد: "لدينا بستان آخر بنفس العدد من الأشجار ينتج 4900 كيلوغرام، ولكن هذا البستان، المصمم بشكل صحيح، ينتج 112 ألف كجم من الليمون. لذا، هناك فرق شاسع بين هذا البستان والبستان التقليدي. إن مستقبل هذا البستان يبدو مشرقا بالنسبة لنا".
من المزرعة إلى المائدة
تقوم التنمية البديلة على أكثر من مجرد تقديم الدعم للمزارعين. فوفقا للسيد سابي، تركز المشاريع على سلسلة القيمة الكاملة لمحصول أو منتج معين. على سبيل المثال، يتم تجميع المزارعين معا في تعاونيات لمنحهم درجة من القدرة على المساومة مع التجار. وأوضح أن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة دعم المصانع بالمعدات وربطها بالمزارعين.
وقال: "الآن تشتري تلك المصانع المنتجات من البساتين التي أنشأناها. إنهم يعالجون [هذه المنتجات]، ويعبئونها، ثم يزودونها إلى السوق".
الدمار المناخي
تعتبر المنطقة الشرقية من أفغانستان مهيأة بشكل خاص لزراعة الحمضيات مع انخفاض أرضها وارتفاع درجات الحرارة فيها، وفقا لمنسق برامج التنمية البديلة التابع لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
على رغم من خصوبة الأرض هنا، إلا أن تغير المناخ كان له تأثير مدمر على المزارعين المحليين.
ويشرح السيد سابي قائلا: "عندما تهطل الأمطار، يوجد ما يكفي من المياه في الأنهار. لكن الفيضانات يمكن أن تدمر حقول المزارعين. وعندما ينتهي الموسم وتتوقف الأمطار عن الهطول، تجف الأنهار، ويفتقر الناس إلى المياه اللازمة للري".
وشدد على ضرورة قيام المجتمع الدولي بدعم المزارعين في تنفيذ الممارسات الزراعية المحسنة، وخاصة من خلال تركيب أنظمة الري بالتنقيط حتى يتمكنوا من استخدام المياه بكفاءة أكبر في الأوقات التي يفتقرون فيها إلى هذا المورد الحيوي.
الدعم الآني
على الرغم من أن التمويل آخذ في النضوب منذ أن استعادت حركة طالبان السيطرة على الحكم في أفغانستان قبل عامين، يواصل المزارعون المتفائلون زيارة بستان الحاج محمد إقبال.
"إنهم يريدون إنشاء بساتين [مثل هذا] ، لكنهم لا يستطيعون ذلك. ولم تعد المنظمات غير الحكومية تأتي إلى هنا لمساعدتهم".
وأشار السيد سابي إلى أن الطلب المحلي على الحمضيات مذهل حيث يبلغ حوالي 200 ألف طن متري سنويا، ولكن يتم تلبية عشرة في المائة فقط من هذا الطلب من خلال الإنتاج المحلي، مما يعني أن الاستثمار في بساتين الحمضيات يمكن أن يكون بديلا قابلا للتطبيق على المدى الطويل لزراعة الخشخاش في المنطقة الشرقية من أفغانستان.
في غضون ذلك، لا يزال الناس بحاجة إلى تغطية نفقاتهم، ولهذا السبب يدعم مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أيضا تطوير مزارع الخضروات.
لقد فرضت سلطات طالبان حظرا على زراعة خشخاش الأفيون في نيسان/أبريل 2022، مع فترة سماح مدتها 10 أشهر. تم تطبيق الحظر هذا العام بصرامة، وتشير الأدلة إلى أنه كان فعالا للغاية.
في مقاطعة سرخرود بضواحي مدينة جلال أباد، تحدثنا مع السيد خان الله، أحد كبار قرية فتح أباد، الذي قال إن المزارعين الذين يقودهم زرعوا خشخاش الأفيون هذا العام، إلا أن حركة طالبان دمرت المحصول قبل الحصاد.
أخذت سلطات الأمر الواقع أسماءهم وأحالتهم إلى اللجنة الدنماركية لمساعدة اللاجئين الأفغان، الشريك المنفذ لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، التي زودت 21 مزارعا بثلاثة كجم من بذور البامية و25 كجم من الأسمدة لكل منهم.
وأوضح السيد خان الله أن "هناك المزيد من المزارعين المؤهلين للحصول على الدعم، ولكن نظرا إلى أن المشروع صغير، فقد تم اختيار هؤلاء المزارعين البالغ عددهم 21 فقط".
نفاد الخيارات
قال السيد مزار شاه، وهو أحد المزارعين الذين تلقوا البذور والأسمدة، إنه يقدر الدعم المقدم له، إلا أنه ورفاقه يواجهون معركة شاقة.
وأوضح أن الخضروات التي يزرعونها لا يمكن أن تحل ببساطة محل الخشخاش. وأكد أنهم جميعا يفهمون الأضرار التي يسببها الأفيون، إلا أنه ومزارعي الخشخاش السابقين كانوا يحاولون فقط البقاء على قيد الحياة وإطعام عائلاتهم ودفع ديونهم.
وأوضح السيد مزار شاه: "كنا نزرع الخشخاش لأن له عائدا أكبر. إذا تم دعمنا بالمحاصيل عالية القيمة، فلن نزرع الخشخاش أبدا، ولا حتى بعد مائة عام".
تغرق الأسواق الأفغانية بالخضروات، لذا فإن هوامش الأرباح تكاد تكون معدومة. ويبلغ سعر 7 كجم من البامية عندما تكون في الموسم حوالي 120 أفغانيا (العملة الوطنية)، أي ما يعادل 1.5 دولار أمريكي، والغالبية العظمى من المزارعين ليست لديهم القدرة على الزراعة في غير موسمها عندما تكون هوامش الأرباح أعلى بكثير.
حذر السيد هداية الله سابي من شعور اليأس المتزايد بين المزارعين المعرضين للخطر.
وقال: "أخبرنا المزارعون بوضوح أنه إذا لم يدعمهم المجتمع الدولي وسلطات الأمر الواقع، وإذا لم يكن هناك حظر من قبل سلطات الأمر الواقع، فسوف يزرعون الخشخاش مجددا لأنه ليس لديهم أي خيار آخر".
المنظار الإنساني
منذ سيطرة طالبان على السلطة في آب /أغسطس 2021، عملت الأمم المتحدة بموجب ما يُعرف بـ "إطار العمل الانتقالي"، والذي يحصر عملياتها إلى حد كبير في تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية. وقالت ممثلة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في البلاد، السيدة أنوبا سود، إن مشاريع التنمية البديلة "تندرج بالتأكيد في إطار الشؤون الإنسانية".
وشددت على أنه مع تطبيق الحظر على زراعة خشخاش الأفيون الآن بصرامة من قبل سلطات الأمر الواقع، "يحتاج المزارعون إلى زراعة شيء ما حتى يتمكنوا من إطعام عائلاتهم".
وسلطت السيدة سود الضوء على المنظور الجنساني (المتعلق بنوع الجنس) في الابتعاد عن زراعة الخشخاش، حيث قالت إن النساء كن أكثر من رفع الصوت لمكافحة المحصول المخدر، لا سيما بسبب آثاره الاجتماعية.
وقالت رئيسة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في أفغانستان: "لا تريد النساء أن يشارك أفراد أسرهن في زراعة خشخاش الأفيون. لقد قضت على جيل كامل. ترى التأثير حتى بين أفراد أسرتك. أطفالك الصغار يستخدمونه. أفراد عائلتك يستخدمونه. زوجك يستخدمه. أخوك يستخدمه. لذا، فالأمر لا يتعلق فقط بالمكاسب الاقتصادية. هناك تداعيات أخرى، وبدأ الناس رؤية ذلك. وكانت النساء الأعلى صوتا في هذا السياق".
وأشارت السيدة سود إلى أن العديد من المزارعين الذين دعمهم مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة قاموا بالتغيير بطريقة مستدامة، ويتم تكرار هذه الجهود من قبل آخرين لديهم الوسائل التي تمكنهم من القيام بذلك.
لكنها شددت على أن الحظر تسبب في معاناة كبيرة لصغار المزارعين الذين ليس لديهم القدرة على الاستمرار، وأضافت: "لقد ضاعت محاصيلهم، وستتضور أسرهم جوعا".
منذ عام 2022، تم توفير 5.86 مليون دولار فقط لمشاريع التنمية البديلة التابعة لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. تحول الهدف الآن إلى المشاريع التي تركز على الأمن الغذائي، حيث وصلت منذ ذلك الحين إلى حوالي 14 ألف مستفيد مباشر، 33 في المائة منهم من النساء.
وشددت السيدة سود على أن الأمم المتحدة قد اتخذت قرارا بـ "البقاء ودعم" الشعب الأفغاني "بغض النظر عمن في السلطة".
وقالت: يجب أن نفكر بهؤلاء الأشخاص عندما نقرر ما إذا كانت هذه الأموال ستخصص لهذا التدخل أو ذاك. أعتقد أن هذا هو ما لا ينبغي نسيانه".
* تم تغيير أسماء النساء الأفغانيات الواردة في هذا المقال لحماية هوياتهن.