تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

ما هي منظمة الصحة العالمية وما أهميتها؟

عندما اجتاحت موجات مميتة من الطاعون والكوليرا والحمى الصفراء العالم الصناعي حديث النشأة في منتصف القرن التاسع عشر، بات اتخاذ نهج عالمي للتعامل مع الصحة أمرا حتميا، حيث عقد أطباء وعلماء ورؤساء ورؤساء وزراء بشكل عاجل المؤتمر الصحي الدولي في باريس في عام 1851، والذي كان استهلالا لما هو الآن أكبر منظمة من نوعها؛ منظمة الصحة العالمية.

من المختبرات إلى ساحات القتال، كرست منظمة الصحة العالمية جهودها لرفاه جميع الناس منذ عام 1948. وتسترشد المنظمة بالعلم، وتدعمها الدول الأعضاء البالغ عددها 194 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، وهي أحد مؤسسي المنظمة، والتي أعلنت في 20 كانون الثاني/يناير 2025 عن نيتها الانسحاب من المنظمة.

إذاً، ما الذي قدمته منظمة الصحة العالمية للعالم؟ الإجابة المختصرة هي الكثير. تعمل المنظمة حاليا مع الدول الأعضاء وعلى الخطوط الأمامية في أكثر من 150 موقعا وحققت العديد من الإنجازات في مجال الصحة العامة.

فيما يلي كل ما تحتاج إلى معرفته عن أكبر هيئة صحية في العالم.

(من الأرشيف) عيادة متنقلة تابعة لمنظمة الصحة العالمية تقدم خدماتها في مدينة دهوك بالعراق.
© WHO/Sebastian Meyer
(من الأرشيف) عيادة متنقلة تابعة لمنظمة الصحة العالمية تقدم خدماتها في مدينة دهوك بالعراق.

التصدي لحالات الطوارئ

في خضم الأزمات والنزاعات والتهديد المستمر لتفشي الأمراض وتغير المناخ، استجابت المنظمة بدءا من الحروب في غزة والسودان وأوكرانيا إلى ضمان وصول اللقاحات والإمدادات الطبية المنقذة للحياة إلى المناطق النائية أو الخطرة.

ونظرا لأن الرعاية الصحية تواجه مخاطر غير مسبوقة، وثقت المنظمة في عام 2023 أكثر من 1200 هجوم أصابت العمال والمرضى والمستشفيات والعيادات وسيارات الإسعاف في 19 بلدا وإقليما، مما أدى إلى وفاة أكثر من 700 شخص وإصابة ما يقرب من 1200 آخرين.

وفي الواقع، غالبا ما تذهب فرق منظمة الصحة العالمية إلى حيث لا يذهب الآخرون. فهي تقوم بشكل روتيني بإجلاء المرضى المصابين وتوفير المعدات والإمدادات والخدمات المنقذة للحياة في المناطق التي مزقتها النزاعات أو الكوارث.

وكانت منظمة الصحة العالمية بين وكالات الأمم المتحدة التي تعاونت مع وزارة الصحة الفلسطينية في حملة التطعيم واسعة النطاق ضد شلل الأطفال في قطاع غزة بعد تسجيل أول حالة في القطاع في 2024 منذ 25 عاما.

أطفال يتلقون لقاحات شلل الأطفال في عيادة صحية في دير البلح بغزة.
© UNICEF/Eyad El Baba
أطفال يتلقون لقاحات شلل الأطفال في عيادة صحية في دير البلح بغزة.

تتبع الأزمات الصحية ومعالجتها

تقوم فرق من خبراء منظمة الصحة العالمية طوال الوقت بفحص آلاف المعلومات، بما في ذلك المنشورات العلمية وتقارير مراقبة الأمراض، والبحث عن إشارات تفشي الأمراض أو غيرها من تهديدات الصحة العامة، من إنفلونزا الطيور إلى كوفيد-19.

وتعمل المنظمة على التعبئة للوقاية من تفشي الأمراض المعدية واكتشافها والاستجابة لها مع تعزيز إمكانية الحصول على الخدمات الصحية الأساسية.

ويشمل هذا تعزيز قدرة المستشفى على القيام بكل شيء بما في ذلك عمليات الولادة وعلاج إصابات الحرب وتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية.

(من الأرشيف) عالمة مختبرية تعمل في مركز أبحاث يتعاون مع منظمة الصحة العالمية في تايلاند.
© WHO/Ploy Phutpheng
(من الأرشيف) عالمة مختبرية تعمل في مركز أبحاث يتعاون مع منظمة الصحة العالمية في تايلاند.

القضاء على الأمراض في جميع أنحاء العالم

يمكن القضاء على مجموعة كبيرة من الأمراض والحالات المرضية، بما في ذلك الأمراض المعدية المهملة والأمراض المنقولة بالنواقل، والأمراض المنقولة جنسيا، والأمراض التي تنتقل من الأم إلى الطفل، والأمراض التي يمكن أن تمنعها اللقاحات.

توفر منظمة الصحة العالمية الأدوية والمعدات الطبية الأساسية بينما تعمل على تمكين وتعزيز قدرات المختبرات لتشخيص الأمراض حيثما أمكن ذلك.

وفي عام 2024، حققت الدول الأعضاء في المنظمة العديد من الإنجازات البارزة في التصدي لهذه التحديات الصحية العالمية الكبرى. وقضت سبعة بلدان (البرازيل وتشاد والهند وباكستان وتيمور- ليشتي وفييت نام) على الأمراض المدارية، بما في ذلك الجذام والرمد الحبيبي.

كما تم القضاء على انتقال فيروس نقص المناعة البشرية والزهري من الأم إلى الطفل في بليز وجامايكا وسانت فنسنت وجزر غرينادين، وحققت ناميبيا إنجازا رئيسيا نحو القضاء على انتقال فيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد (B) من الأم إلى الطفل.

كما لعبت المنظمة دورا رئيسيا على مدى العقود السبعة الماضية، بما في ذلك القضاء على الجدري في عام 1980، وتحقيق القضاء على شلل الأطفال تقريبا، وتقديم المساعدة المنقذة للحياة في غزة خلال الحرب الأخيرة.

(من الأرشيف) قدمت منظمة الصحة العالمية واليونيسف والتحالف العالمي للقاحات والتحصين لقاحات كوفيد-19 وغيرها من اللقاحات للمجتمعات النائية في جزر سليمان في عام 2022.
© WHO/Neil Nuia
(من الأرشيف) قدمت منظمة الصحة العالمية واليونيسف والتحالف العالمي للقاحات والتحصين لقاحات كوفيد-19 وغيرها من اللقاحات للمجتمعات النائية في جزر سليمان في عام 2022.

الذكاء الاصطناعي والصحة الرقمية

تتبنى منظمة الصحة العالمية آفاقا جديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، في مجال الصحة الرقمية.

ومع استمرار نمو تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعي الناشئة، تعمل المنظمة على ضمان سلامتها وفعاليتها في مجال الصحة.

ويشمل هذا التوجيهات الجديدة التي نشرت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي والتي تسرد الاعتبارات التنظيمية الرئيسية بشأن قضايا مثل تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي لعلاج أو اكتشاف حالات مثل السرطان أو السل مع تقليل المخاطر مثل جمع البيانات غير الأخلاقي وتهديدات الأمن السيبراني وتضخيم التحيزات أو المعلومات المغلوطة. 

سيدة من سنغافورة تستخدم الأجهزة الرقمية في منزلها بعد خضوعها لبرنامج eSocial Prescribeing التابع لمستشفيات مجتمع SingHealth.
WHO/Blink Media/Juliana Tan
سيدة من سنغافورة تستخدم الأجهزة الرقمية في منزلها بعد خضوعها لبرنامج eSocial Prescribeing التابع لمستشفيات مجتمع SingHealth.

مواجهة الأزمة الصحية المميتة المرتبطة بالمناخ

تؤثر الأزمة الصحية المرتبطة بالمناخ على ما لا يقل عن 3.5 مليار شخص – أي ما يقرب من نصف سكان العالم.

تسببت الحرارة الشديدة والظواهر الجوية المتطرفة وتلوث الهواء في وفاة ملايين الأشخاص في عام 2023 ، مما يشكل ضغطا هائلا على النظم الصحية والقوى العاملة، بدءا من حرائق الغابات الحالية  المشتعلة في الساحل الغربي للولايات المتحدة إلى الفيضانات المفاجئة  المميتة في إندونيسيا.

جزء من استجابة منظمة الصحة العالمية يتمثل في حماية الصحة من مجموعة واسعة من تأثيرات تغير المناخ، وهذا يشمل تقييم نقاط الضعف ووضع الخطط.

كما عملت المنظمة على تنفيذ أنظمة الاستجابة للمخاطر الرئيسية، مثل الحرارة الشديدة والأمراض المعدية ودعم القدرة على الصمود والتكيف في القطاعات المحددة للصحة مثل المياه والغذاء.

يتم فحص عيني أحد الناجين من فيروس إيبولا، في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عيادة للعيون أنشأتها منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع وزارة الصحة في بينيو شمال كيفو.
WHO/J.D.Kannah
يتم فحص عيني أحد الناجين من فيروس إيبولا، في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عيادة للعيون أنشأتها منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع وزارة الصحة في بينيو شمال كيفو.

ما الذي تعمل عليه منظمة الصحة العالمية الآن؟

تقود المنظمة الجهود الرامية إلى إبرام معاهدة عالمية لاتخاذ خطوة أعمق لتعزيز الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها، على غرار ما قام به مؤسسو المؤتمر الدولي للصحة في عام 1851.

كما تعمل الوكالة التابعة للأمم المتحدة حاليا على تحقيق "أهداف الثلاثة مليارات".

تم تحديد تلك الأهداف في عام 2019، وهي أنه بحلول عام 2025، سيستفيد مليار شخص إضافي من التغطية الصحية الشاملة، وسيتمتع مليار شخص إضافي بحماية أفضل من حالات الطوارئ الصحية، وسينعم مليار شخص آخر بصحة ورفاه أفضل.

من يقود منظمة الصحة العالمية؟

تعد قيادة المنظمة دولية. وتتخذ من جنيف مقرا لها، ويرأسها الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس.

تبلغ ميزانية البرنامج المعتمدة الحالية للفترة 2024-2025، 6.83 مليار دولار، وتأتي من تقييمات الأعضاء، إلى جانب المساهمات الطوعية.

تتألف هيئة صنع القرار في منظمة الصحة العالمية، وهي جمعية الصحة العالمية، من الدول الأعضاء، التي تجتمع سنويا للاتفاق على أولويات وسياسات المنظمة.

يتخذ الأعضاء قرارات بشأن الأهداف والاستراتيجيات الصحية التي ستوجه عملهم في مجال الصحة العامة وعمل أمانة المنظمة لتحريك العالم نحو صحة أفضل ورفاه للجميع. ويشمل ذلك تنفيذ تدابير الإصلاح التي جعلت منظمة الصحة العالمية أكثر فعالية.