تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تقرير خاص: ماذا حدث في الأيام التي سبقت استفتاء تيمور- ليشتي واستقلالها عن إندونيسيا؟

كان يوم 30 أغسطس 1999 هو اليوم الذي أتيحت فيه لشعب تيمور-ليشتي فرصة طال انتظارها لممارسة حق تقرير المصير. في استفتاء نظمته بعثة الأمم المتحدة، كان بإمكانهم الاختيار بين التكامل مع إندونيسيا- في شكل اقتراح خاص يتعلق بالحكم الذاتي- وبين الاستقلال.

قبل زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى تيمور- ليشتي لإحياء الذكرى الخامسة والعشرين للاستفتاء الذي أدى إلى استقلال البلاد، تحدث الزميلان فيليبي دي كارفالو وخورخي رودريغيز دياز مع مسؤولين من الأمم المتحدة وتيمور ليشتى عما يتذكرونه عن أحداث اعترتها أعمل عنف وكُللت في النهاية بنجاح التصويت الشعبي.

حق تقرير المصير

رئيس الوزراء والزعيم السابق للمقاومة زانانا غوسماو يتحدث مع أخبار الأمم المتحدة.
UN News

رئيس الوزراء والزعيم السابق للمقاومة زانانا غوسماو قال إن "راية الأمم المتحدة كانت ملهمة لنا قبل كل شيء، من حيث القانون الدولي، وحق جميع الشعوب في تقرير المصير والاستقلال. كان هذا هو وجود الأمم المتحدة في روحنا القتالية".

غوسماو، الذي شغل منصبي رئيس الوزراء ورئيس البلاد، تحدث عن الصعوبات التي واجهتها تيمور-ليشتي بعد الاستقلال. وقال "مع استلام السيادة، توصلت إلى استنتاج مفاده أننا فعلنا كل شيء للفوز بالحرب، لكننا لم نفكر قط في الاستعداد للاستقلال. لذا، كان الأمر صعبا. كانت السنوات الخمس الأولى صعبة للغاية".

وأضاف أن الصعوبات نبعت من عوامل منها عدم توفر الموارد المالية، ولكن شيئا فشيئا بدءا من عام 2005 فصاعدا، تلقت تيمور- ليشتي بعض الأموال من النفط.

على الرغم من الترهيب والعنف والهجمات ضد التيموريين المؤيدين للاستقلال وموظفي بعثة الأمم المتحدة، أدلى 98.6% من جميع الناخبين المسجلين بأصواتهم في 200 مركز اقتراع في أنحاء البلاد.

"لا شياطين ولا ملائكة"

رئيس تيمور- ليشتي  خوسيه مانويل راموس هورتا يتحدث مع أخبار الأمم المتحدة.
UN News

الرئيس خوسيه مانويل راموس هورتا، الذي كان زعيما في المنفى خلال فترة المقاومة تحدث مع أخبار الأمم المتحدة قائلا: "كانت تيمور قصة نجاح، وخاصة لأن مجلس الأمن توصل إلى الإجماع. ولكن الإجماع تحقق لأن إندونيسيا كانت قد قبلت بالفعل. لو لم تقبل إندونيسيا، التي كانت مهمة للغاية لبعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن، لما تحقق الإجماع في المجلس".

وأبرز راموس هورتا أهمية المصالحة الوطنية في دفع البلاد إلى الأمام. وقال: "لا يوجد ملائكة وشياطين، هناك شعب يعاني، وهناك جرائم متنوعة ارتكبت على الجانبين". وأضاف: "لهذا السبب أعجب الإندونيسيون بتيمور كثيرا. لم نقبل أبدا بمحكمة خاصة. اخترنا المصالحة الوطنية وتطبيع العلاقات مع إندونيسيا".

عنف بعد الاستفتاء

السياسية والمتمردة السابقة ماريا دومينغاس "ميكاتو" فرنانديز ألفيس تذكرت في حديثها معنا العنف الذي أعقب إعلان نتائج الاستفتاء. وقالت: "أُحرق منزلنا في اليوم الرابع بعد الاستفتاء، يوم 4 أيلول/سبتمبر. عدنا بلا شيء، لا منزل ولا أي شيء. جئنا من داروين إلى ديلي عندما دخلت القوة الدولية إلى تيمور، في أيلول/سبتمبر".

وقالت إنهم اضطروا إلى اللجوء إلى منازل أناس آخرين بعد فقدان منازلهم وكل أغراضهم، "احترق كل شيء، كل أغراضنا، والصور. عندما يسألونني عن الصور، لا أجدها، فلم يعد لدي صور للقتال، ولا أي شيء".

السياسية والمتمردة السابقة في تيمور - ليشتي ماريا دومينغاس "ميكاتو" فرنانديز ألفيس تتحدث مع أخبار الأمم المتحدة.
UN News
السياسية والمتمردة السابقة في تيمور - ليشتي ماريا دومينغاس "ميكاتو" فرنانديز ألفيس تتحدث مع أخبار الأمم المتحدة.

نتيجة الاستفتاء

أعلن رئيس بعثة الأمم المتحدة في تيمور- الشرقية، إيان مارتن، النتيجة في الرابع من أيلول/سبتمبر عام 1999، وأشار إلى أن 78.5% من الأصوات، أو 344,580 شخصا رفضوا الحكم الذاتي الخاص المقترح، بينما صوت 94,388 ناخبا، أو 21.5%، لصالح قبوله.

أثناء زيارته لموقع المقر السابق لبعثة الأمم المتحدة في تيمور- ليشتي، قال مارتن لأخبار الأمم المتحدة: "كان للوجود الدولي بالتأكيد بعض التأثير في تهدئة الموقف، ليس نحن فقط، بل كان هناك قدر كبير من الاهتمام من جانب وسائل الإعلام الدولية. كما جاء مراقبو الانتخابات الدوليون. كان هذا عاملا إيجابيا، ولكنه لم يوقف أبدا ترهيب السكان أو الحوادث التي تعرضت فيها مكاتبنا للهجوم في عدة مناسبات".

الممثل السابق للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة في تيمور- الشرقية، إيان مارتن.
UN News
الممثل السابق للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة في تيمور- الشرقية، إيان مارتن.

جهود أممية في ظل انعدام الأمن

وأشار مارتن إلى أن الأمين العام آنذاك كوفي عنان قرر المضي قدما في فتح التسجيل، على الرغم من حقيقة أن الأمن لم يكن كافيا، قائلا إنه ستكون هناك مراجعة في منتصف مرحلة التسجيل بشأن ما إذا كان ينبغي الاستمرار.

عمل فريق بعثة الأمم المتحدة في تيمور- ليشتي من الفجر إلى الغسق لتسجيل 433,576 ناخبا خلال 22 يوما فقط، بالإضافة إلى ناخبين إضافيين في 13 موقعا دوليا ليصل المجموع إلى 446,666 شخصا.

وقال إيان مارتن "على الرغم من حقيقة أن البعض قد نزحوا وكانوا مختبئين في التلال، فقد جاء الناس للتسجيل، وسرعان ما اتضح أننا سنحقق أرقاما تتجاوز أعداد الناخبين التي قدر الخبراء عددهم".

الأمم المتحدة توفر ملاذا آمنا

تدهور الوضع الأمني ​​في تيمور- ليشتي بسرعة بعد الاقتراع. وأصبح مجمع بعثة الأمم المتحدة موطنا لما يتراوح بين 1500 و2000 نازح فضلا عن مئات الموظفين المحليين والدوليين.

قال الممثل الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة إيان مارتن "لجأ بعض الأشخاص الذين نزحوا من منازلهم إلى المدرسة، التي تقع خلف ذلك الجدار مباشرة. وبدأ الناس في تسلق الجدار، الذي كان مغطى بالأسلاك الشائكة للأسف. كانت هناك عائلات ترمي أطفالها من فوق الحائط، ورجال شرطة بعثة الأمم المتحدة وغيرهم من الموظفين يلتقطونهم ويساعدونهم".

واستطرد مارتن في استعادة تلك الذكريات قائلا: "البعض بدأ في إخبار الناس بأننا قد نغادر، وكانت هذه هي النقطة التي قال فيها الموظفون ‘لا يمكننا تركهم، يجب أن نبقى’. عندها طلبت منهم إعداد قائمة بالمتطوعين. ثم كنتُ في المقر العسكري الإندونيسي أتفاوض بشأن المرحلة التالية من الإخلاء".

تصميم شعبي على إجراء الاستفتاء

نيك بيرنباك، رئيس الاتصالات الاستراتيجية في إدارة عمليات السلام، كان يعمل أيضا مع بعثة الأمم المتحدة في تيمور- ليشتي. يتذكر بيرنباك تلك الفترة بالقول: " كان الأمر محفوفا بالمخاطر للجميع. كان الجانب الأكثر استثناء هو موقف التيموريين العاديين الذين كانوا مصممين على التأكد من إجراء هذا الاستفتاء الشعبي بغض النظر عما كان يحدث، وبغض النظر عما كان يجري، وبغض النظر عن التهديدات التي كانوا يتعرضون لها".

واستطرد قائلا إنه وصل مع زملائه إلى مركز اقتراع مبكرا لأنهم أرادوا رؤيته قبل أن يفتح أبوابه، "ومع شروق الشمس، كانت هناك طوابير ضخمة من الناس ينتظرون لأنهم لم يريدوا أن يفوتوا فرصة التصويت. لن أنسى أبدا شروق الشمس في هذا اليوم ورؤية كل هؤلاء الناس ينتظرون للتصويت".

وفي المجمل، قُتل أو اختفى أربعة عشر موظفا من موظفي الأمم المتحدة في تلك الأزمة. وفي العشرين من أيلول/سبتمبر، نُشرت القوة الدولية في تيمور- ليشتي (INTERFET)، وهي قوة متعددة الجنسيات مفوضة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1264، والتي عملت على استقرار الوضع في الأسابيع التالية.