Breadcrumb
ماذا تعرف عن الاقتصاد البرتقالي ودوره في تعزيز السلام والتنمية؟
ماذا يحدث عندما يمتزج الإبداع والتراث الثقافي والنمو الاقتصادي؟ بكل تأكيد سنحصل على عالم نابض بالحياة يسمى بالاقتصاد البرتقالي - المعروف أيضا باسم الاقتصاد الإبداعي - وهو مفهوم طوره في الأصل الخبير الاقتصادي البريطاني جون هوكينز في عام 2001.
في عام 2011، صاغ وزير الثقافة الكولومبي السابق، فيليبي بويتراغو، مصطلح الاقتصاد البرتقالي، بمشاركة الرئيس الكولومبي السابق إيفان دوكي ماركيز. ويسلط هذا المصطلح الضوء على التقاطع الديناميكي بين الفنون والثقافة وريادة الأعمال. إنه ظاهرة عالمية يتيح للحرفيين والمصممين والموسيقيين والمبدعين فرصة ليس للتعبير عن أنفسهم فحسب، بل أيضا قيادة التقدم الاقتصادي.
ولكن ما هو الاقتصاد البرتقالي؟ وكيف يعزز السلام ويسرع التنمية المستدامة ويمّكن المجتمعات؟ انضم إلينا ونحن نتعمق في هذا العالم الملون، لنستكشف وجهات نظر مبتكرين ورواد أعمال من جميع أنحاء العالم، الذين يحولون شغفهم وإبداعهم إلى أعمال تجارية مزدهرة ويشكلون مستقبلا أكثر إشراقا.
إذن، ما هو الاقتصاد البرتقالي؟
الاقتصاد البرتقالي، وفقا للأمم المتحدة، هو مفهوم متطور قائم على مساهمة وإمكانات الأصول الإبداعية في النمو الاقتصادي والتنمية. وهو يشمل الجوانب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تتفاعل مع التكنولوجيا والملكية الفكرية والأهداف السياحية. "هو مجموعة من الأنشطة الاقتصادية القائمة على المعرفة، ذات بعد تنموي وروابط متداخلة على المستويين الكلي والجزئي للاقتصاد بشكل عام".
وتقدر الأمم المتحدة أن الصناعات الثقافية والإبداعية تمثل 3.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و6.2 في المائة من العمالة في جميع أنحاء العالم.
في مقابلة حصرية مع أخبار الأمم المتحدة خلال فعاليات المنتدى العالمي الرابع لرواد الأعمال والاستثمار الذي عقد في العاصمة البحرينية المنامة، شرح لنا فيليبي بويتراغو، وزير الثقافة السابق لكولومبيا ماهية الاقتصاد البرتقالي فقال: "إنه يشمل أنشطة مثل صناعة الأفلام والتلفزيون وألعاب الفيديو والموسيقى بكل أشكالها، وكذلك الحرف والفنون البصرية والمسرح. وأيضا أنشطة مثل التصميم والأزياء، وبشكل متزايد، التعبيرات الرقمية الأخرى للتواصل. إنه شيء يمثلنا ويمثل هوياتنا بأشكال مختلفة".
وتابع بويتراغو قائلا: "ذاك هو الإبداع، ذاك هو التعبير، وذاك هو التراث. تمتزج هذه التعبيرات معا في نظام بيئي غني جدا يضم مبدعين وحالمين، ولكن أيضا فاعلين ورواد أعمال وصانعي سياسات. وهذا يشكل قطاعا قويا جدا في الاقتصاد".
لماذا اللون البرتقالي بالتحديد؟
يشرح لنا السيد فيليبي بويتراغو سبب اختيار اللون البرتقالي لوصف هذا النوع من الاقتصاد فيقول: "يعكس اللون البرتقالي - في العديد من الثقافات والعصور - الإبداع والقيادة والتحول. مثل السادهوس في الثقافة الهندوسية أو الجلباب البوذي البرتقالي، ولكن أيضا في ثقافة أمريكا الوسطى يعني التحول. وفي أمريكا الجنوبية يعني أيضا القيادة. هو لون موجود أيضا في التقاليد اليونانية الرومانية كلون باخوس أو ديونيسوس. عندما كنا نفكر مع الرئيس دوكي في كيفية تمثيل هوية الاقتصاد الإبداعي، فكرنا في اللون البرتقالي واختبرناه. اكتشفنا أن هذا اللون كان سهل الاستيعاب للمبدعين، ولكن أيضا بالنسبة لصانعي السياسات".
تعزيز السلام والتفاهم
يلعب الاقتصاد البرتقالي دورا مهما في تعزيز السلام والتفاهم بين الشعوب، وفقا لفيليبي بويتراغو: "في بعض الأحيان تحدث بعض الأمور السخيفة كأن يكره الجيران بعضهم البعض، أو لا يثقون في بعضهم البعض. مثلا كانت هناك عصابتان في حي كومونا 13 في مدينة ميديلين الكولومبية. تم جمع هاتين العصابتين من قبل مكتب عمدة المدينة الذي أقام مهرجانا مشتركا لموسيقى الراب والريغيتون. كانت عصابة واحدة تؤدي الراب، والأخرى تؤدي الريغيتون. نصبوا مسرحا وتناوبوا في استعراض مهاراتهم في الراب، والريغيتون. ومن خلال مشاركة المسرح، أدركوا أن لديهم شغفا بالموسيقى. وأن الريغيتون والراب لم يكونا مختلفين إلى هذا الحد، وأنهما يستطيعان التعايش معا. وقد قلل ذلك من العنف وساعدهم في الواقع على البدء في إيجاد طرق مختلفة لتعزيز تنمية المجتمعات، بدلا من محاولة السيطرة عليها بالإكراه".
تسريع أهداف التنمية المستدامة
ولكن كيف يساعد الاقتصاد البرتقالي في تسريع خطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي تعتبر مخططا مشتركا للسلام والازدهار للناس والكوكب؟
يجيب على ذلك فيليبي بويتراغو بالقول: "إذا قرأت أهـداف التنمية المستدامة السبعة عشر، ستلاحظ أنه لا أحد منها يذكر صراحة كلمات مثل الثقافة أو الفنون أو الإبداع. ولكن مع ذلك، إذا تعمقت أكثر، ستجد أن الإبداع والثقافة والفن بمثابة وسائل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. هذا قوي جدا لأن الثقافة أداة ممتازة ومهمة تجمع الناس معا لتحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة."
وتابع فيليبي بويتراغو قائلا: "التوظيف والشمول والاستدامة البيئية للمدن وتحسين التعليم والتعاون - كل هذه الأمور يتم تيسيرها من خلال الثقافة. عندما نجتمع ونتحدث، عندما نشارك وجهات نظرنا عن العالم، فإننا ننخرط في تبادل ثقافي. وهذا أمر بالغ الأهمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة".
" الإبداع يجلب المال ويخلق فرص عمل"
في قلب مملكة البحرين، وجد عمار بشير، مصمم الديكور السوداني، نفسه على مفترق طرق بعد عودته من دراسته الجامعية في بريطانيا. في مواجهة سوق عمل يتطلب خبرة لم يكن يملكها، غامر عمار بدخول السوق دون أن يدري أنه بذلك كان يشق طريقا في خضم الاقتصاد البرتقالي المزدهر.
متحدثا لأخبار الأمم المتحدة، تذكّر عمار تجربته بالقول: "لقد تم رفضي من جميع الوظائف التي تقدمت لها لأنني كنت قد تخرجت للتو"، مشيرا إلى أن هذه النكسة كانت بمثابة حافز ودافعه له لإنشاء شركة تصميم خاصة به، مدفوعة بإبداعه ورغبته في تطبيق أفكاره.
لم يكن يعلم أن مغامرته في عالم التصميم ستتماشى تماما مع المفهوم الناشئ للاقتصاد البرتقالي - وهو قطاع يكون فيه الإبداع هو العملة، والأفكار هي الأصول الأكثر قيمة. ويوضح عمار أن "الشيء الجميل في الاقتصاد البرتقالي هو أن رأس المال هو فكرة الشخص".
في غضون ثلاث سنوات، تجاوز رأس مال شركته 10 ملايين دولار، وهو – حسبما يقول – دليل على قوة الإبداع في توليد الثروة والعمالة. ويضيف: "اكتشفنا أن الإبداع يجلب المال ويخلق فرص عمل للناس".
"وافد جديد"
تؤكد قصة نجاح السيد بشير جوهر الاقتصاد البرتقالي، الذي يزدهر بالفنون والحرف اليدوية الفريدة المتجذرة بعمق في التراث الثقافي. وعن ذلك يقول: "نحن دائما مفتونون بالفنون والحرف الفريدة المرتبطة ببلدان معينة. تثير هذه العناصر المصنوعة يدويا، والتي غالبا ما تكون مصنوعة من مواد طبيعية، إحساسا بالأصالة يتردد صداها بعمق لدى المستهلكين".
الاقتصاد البرتقالي، كما يقول عمار، هو "الوافد الجديد إلى الحي"، وقد اكتسب اعترافا بوصفه محركا قويا للنمو الاقتصادي والحفاظ على الثقافة. إنه قطاع يكون فيه التعاون والدعم المتبادل أمرا أساسيا، مما يعزز الشعور بالمجتمع والهدف المشترك، وفقا للمصمم السوداني: "الأمر الذي يبعث على الطمأنينة هو أن هناك مسألة الملكية الفكرية ونحن ملزمون أخلاقيا بعدم سرقة أفكار بعضنا البعض، بل سنساعد بعضنا البعض".
عائلة مغربية تربط بين الثقافة والتجارة
فاطمة الزهراء رائدة أعمال مغربية شابة تمتلك هي وعائلتها شركة عائلية تسمى "يطو" متخصصة في صنع الدمى باللباس المغربي التقليدي. كلمة "يطو" - كما أوضحت فاطمة لأخبار الأمم المتحدة - اسم أمازيغي مغربي يسهل على الجميع نطقه.
وأضافت: "خلال فترة الإغلاق التي صاحبت انتشار جائحة كورونا، بقينا في المنزل بلا شيء نفعله. صنعنا أنا وأختي وأمي الكثير من الدمى وألبسناها بالزي التقليدي المغربي. بعد الإغلاق، أقمنا معرضا في المغرب وعرضنا هذه الدمى للبيع. لقد أحب الناس هذه الدمى، كونها مغربية. مثلما يلعب الأطفال الصغار مع باربي الأمريكية، نود أن نعطي الفكرة للأطفال للعب بالدمى المغربية بالملابس المغربية".
الاقتصاد البرتقالي يسد فجوة التوظيف
سمراويت ميرسيهزن، مصممة إبداعية من إثيوبيا والمديرة الإبداعية لشركة سامرا ليزرس SAMRA LEATHERS. تستخدم الموضة لتحدي الاختلالات الاقتصادية وتمكين المرأة في بلدها. تؤكد ميرسيهزن على أهمية الاقتصاد الإبداعي، أو البرتقالي، في معالجة القضايا الملحة في إثيوبيا وفي أنحاء أفريقيا.
ووقالت ميرسيهزن لأخبار الأمم المتحدة: "في صناعة الأزياء، نقدم الكثير من فرص العمل، خاصة للنساء، ونضيف قيمة للنساء والمجتمع. لكن في السابق لم يكن ينظر إلى صناعة الأزياء على أنها وسيلة لتمكين المجتمعات".
وسلطت ميرسيهزن الضوء على ما وصفتها بـ "فجوة في الدعم التعليمي" للصناعات الإبداعية، مشيرة إلى أنه على الرغم من أن الحكومة الإثيوبية قد أنشأت أكثر من 20 جامعة رئيسية خلال العقدين الماضيين، إلا أنه لا يوجد أي منها يركز على رعاية المواهب في المجالات الإبداعية.
وأوضحت بالقول: "لكننا ننتج الكثير من الأطباء والمهندسين الذين يظلون يبحثون عن وظيفة لسنوات عديدة بعد تخرجهم. لذا فإن هذه المرافق الكبيرة لم تساعد في خلق فرص العمل. لذا، فإن هذا النوع من الاقتصاد البرتقالي يقدم الكثير من فرص العمل، خاصة للنساء المبدعات من أمثالي".
في المقابل، تعد شركة ميرسيهزن بمثابة شهادة على ما يمكن تحقيقه عندما يتم الاستفادة من الإبداع بوصفه قوة اقتصادية.
دعوة للاعتزاز بتراثنا الثقافي
بينما نتأمل في العالم الديناميكي للاقتصاد البرتقالي، من الأهمية بمكان أن نستمع إلى كلمات فيليبي بويتراغو، وزير الثقافة الكولومبي السابق، الذي يذكرنا بعدم تجاهل القطع الأثرية الثقافية التي تشكل هويتنا.
واختتم حديثه قائلا: "الرسالة هي أننا في بعض الأحيان نعتبر بعض الأشياء من المسلمات، مثل حرفة أو لوحة أو لحن من تراثنا. وهذا غباء. نحتاج إلى أن نأخذ الأمر على محمل الجد، لأن هذه رسالة من الماضي يرويها لنا شخص على قيد الحياة اليوم ومستعد للانخراط معنا في الحلم بمستقبل أفضل".