Breadcrumb
29 عاما على مأساة سريبرينيتسا: أصوات الناجين تتعالى ودعوة أممية إلى نبذ الكراهية وتعزيز السلام
قبل تسعة وعشرين عاما، هزت مأساة سريبرينيتسا ضمير العالم، حيث سقط آلاف الضحايا، تاركين جراحا غائرة في قلوب الناجين وذاكرة الإنسانية جمعاء. تمثل سريبرينيتسا أحد "أحلك الفصول في تاريخ البشرية الحديث". فقد أودت الحرب التي تلت تفكك يوغوسلافيا السابقة بحياة أكثر من 100 ألف شخص في البوسنة والهرسك بين عامي 1992 و1995، معظمهم من مسلمي البوسنة، وشردت أكثر من مليوني شخص.
واليوم الخميس شهدت قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة فعالية رفيعة المستوى تم خلالها إحياء اليوم الدولي الأول للتفكر في الإبادة الجماعية التي وقعت في سريبرينتسا عام 1995 وإحياء ذكراها.
نظمت الفعالية البعثة الدائمة للبوسنة والهرسك لدى الأمم المتحدة بالتعاون مع بعثات عدد من الدول الأعضاء. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أقرت في أيار/ مايو 2024، قرارا برعاية ألمانيا ورواندا، باعتبار يوم 11 تموز/ يوليو يوما دوليا للتفكر في الإبادة الجماعية في سريبرينتسا.
"لم يكن بوسعي فهم ما كان يحدث لنا"
ألقت الماسة صالحوفيتش، إحدى الناجيات من الإبادة الجماعية، كلمة مؤثرة في الفعالية، أعربت فيها عن امتنانها للدعم المقدم لتكريم الضحايا والناجين من الإبادة الجماعية.
عندما كانت ألماسة في الخامسة من عمرها فقط، واجهت أهوال الحرب مباشرة في قريتها القريبة من سريبرينيتسا. وعلى الرغم من محاولات أمها لحمايتها وإخوتها من العنف، إلا أن واقع الحرب تغلغل في حياتهم، وبلغت ذروتها بالرحيل القسري إلى منطقة آمنة أعلنتها الأمم المتحدة عام 1993.
وتذكرت بوضوح الشعور بالخوف والفقدان أثناء الهجوم الذي وقع في 11 يوليو/تموز 1995، عندما لجأت هي وعائلتها إلى قاعدة تابعة للأمم المتحدة، ليتم نقلهم قسرا بالحافلة، وواجهوا خلالها الابتزاز والتهديدات. كان شقيقها عبد الله من بين العديد من الشباب الذين تم اعتقالهم وإعدامهم في نهاية المطاف، مما خلف فراغا لا يمكن ملؤه في عائلتها.
ومضت قائلة: "في 11 يوليو/تموز، أُجبرنا على ركوب حافلة في صف طويل من المركبات. في ذلك الوقت، لم يسعني فهم ما كان يحدث لنا وما فعلناه حتى نعامل بهذه الطريقة. لن أنسى أبدا وجه الجندي الشاب التابع للجنرال ملاديتش الذي ركب حافلتنا في إحدى محطات الطريق مطالبا بتسليم أي أشياء ثمينة قد نملكها. لقد تملكني رعب لم أشعر به من قبل. عرضتُ على الجندي دمية ممزقة هي ملكي الوحيد، أعطيته إياها في محاولة يائسة وقلت له، إنها كل ما أملك، أشك في أن الرجل يتذكر دميتي أو يتذكرني أنا أو أيا منا ممن كنا على متن تلك الحافلة، ولا يسعني إلا أن أتمنى أن يتذكر ذلك ويشعر بالندم على أفعاله ويندم على مشاركته في الإبادة الجماعية".
صوت للضحايا
تعمل ألماسة حاليا متحدثة باسم مركز سريبرينيتسا التذكاري، المخصص للحفاظ على ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية ومكافحة إنكار الفظائع. وشددت على المسؤولية الجماعية للناجين لضمان عدم نسيان مثل هذه الفظائع ودعت إلى مستقبل يتم فيه منع ارتكاب فظائع مماثلة. سلطت قصتها المؤثرة الضوء على النضال المستمر من أجل السلام والعدالة والذكرى.
وتابعت بالقول: "أنا هنا اليوم ليس فقط لمشاركة قصتي وقصة عائلتي، ولكن لأكون صوتا لأولئك الذين لم يعد بإمكانهم التحدث، فمن واجبنا كناجين أن نضمن أن يتذكر العالم ما حدث في سريبرينيتسا لتكريم ذكرى إخواننا وآبائنا وأعمامنا وجميع الضحايا والدفاع عن مستقبل خال من مثل هذه الفظائع".
وقالت ألماسة صالحوفيتش إن إنشاء اليوم الدولي لإحياء الذكرى يقربنا خطوة أخرى من مستقبل يتذكر الماضي، إنه دعوة لنا جميعا للعمل للوقوف ضد الكراهية لحماية الضعفاء وتعزيز التفاهم والحقيقة.
شهادة مروّعة على التقاعس في مواجهة الكراهية
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش دعا إلى أن جعل ذكرى سريبرينتسا فرصة "لتقوية عزمنا على بناء عالم خالٍ من ويلات الإبادة الجماعية، عالم يسوده العدل والسلام، عالم يمثّل فيه شعار 'لن يتكرر ذلك أبدا' وعدا مهيبا يتم الوفاء به من أجل البشرية جمعاء".
وقال الأمين العام في رسالة بالمناسبة - قرأتها مستشارته الخاصة لمنع الإبادة الجماعية، أليس نديريتو - إن الأمم المتحدة والعالم بأسره خذلوا شعب سريبرينتسا قبل تسعة وعشرين عاما، حيث "قُتل أكثر من 000 ,8 من مسلمي البوسنة بصورة منهجية ودُفنوا في قبور جماعية. وكانت هذه أسوأ الفظائع التي شهدتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية".
وقال الأمين العام في رسالته "إننا نقف اليوم إجلالا لذكرى الضحايا وتضامنا مع الناجين". وجدد التأكيد على دعم عائلات القتلى في سعيها الدؤوب من أجل الوصول إلى الحقيقة وإعمال العدالة.
وشدد الأمين العام على ضرورة التصدي لنزعات إنكار الفظائع وتزييف الحقائق التاريخية، ومواصلة الجهود لتحديد هوية كل ضحية ومحاسبة كل جانٍ. "ونحن ملتزمون بمواصلة التعلّم من هذه المأساة التي لا توصف والتعريف بالقصص والعبر المستفادة من سريبرينتسا".
وقال الأمين العام إن الإبادة الجماعية في سريبرينتسا تعد شهادة مروّعة على العواقب المدمّرة التي يخلّفها التقاعس في مواجهة الكراهية، مؤكدا على أهمية أن "نحارب الانقسام والتعصب، وأن ندافع عن حقوق الإنسان، وأن نعزّز التفاهم والمصالحة".
مواجهة التاريخ بشجاعة لمنع تكرار الفظائع
رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، دينيس فرانسيس سلط الضوء على مأساة سريبرينتسا، مشددا على أهمية اليقظة ضد التعصب وعدم التسامح اللذين قال إنهما يؤديان إلى مثل هذه الفظائع. وشدد على ضرورة مواصلة محاكمة مرتكبي الجرائم وعارض أي إنكار للإبادة الجماعية.
ودعا فرانسيس إلى استغلال ذكرى اليوم الدولي من أجل التثقيف والاتحاد، وضمان مستقبل لا تتكرر فيه الفظائع مثل سربرنيتسا، مرددا كلمات للشاعرة الأمريكية الراحلة مايا أنجيلو حول مواجهة التاريخ بشجاعة من أجل مستقبل أفضل.
رسالة قوية للإنسانية
تحدث في الفعالية أيضا د. نيدزاد غرابوس، مفتي سراييفو ورئيس المشيخة الإسلامية في البوسنة والهرسك والذي صلى من أجل ضحايا سريبرينتسا ودعا الحضور إلى الوقوف دقيقة صمت من أجلهم ثم اختتم حديثه قائلا: "رحمة الله عليهم ولترقد أرواحهم بسلام".
واستمع الحضور إلى رسالة مسجلة من دينيس بيتشيروفيتش، رئيس مجلس رئاسة البوسنة والهِرسِك، حيث قال إن اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار إحياء اليوم الدولي يبعث برسالة قوية للإنسانية لكي تتحد ضد الإبادة الجماعية، مشيرا إلى أنه يمنح الأمل في تحقيق العدالة للضحايا وضمان عدم نسيان أو إنكار الفظائع.
وأضاف: "لا ينبغي نسيان أو إنكار الإبادة الجماعية ضد البوسنة والهرسك. ومن خلال تذكرها نحافظ على كرامة الضحايا ونناضل من أجل مستقبل آمن للأجيال القادمة".