Breadcrumb
"الناس في غزة مشاريع حياة وليس موت"، زميل في الأونروا يوثق قصص النزوح والحرمان والجوع
أوضاع كارثية ومأساوية وظروف صعبة ومعقدة للغاية، كلمات استخدمها فادي ثابت أكثر من مرة أثناء حديثه عن تجربته كأحد موظفي وكالة الأونروا، وباعتباره فلسطينيا من أهل غزة نزح مرات عدة، لكنه مازال وزملاؤه الآخرون في الوكالة مستمرين في تقديم المساعدة لأهالي القطاع منذ بدء التصعيد في تشرين الأول/أكتوبر 2023.
فادي الذي كان مدرسا للفنون قبل الحرب، التحق بقسم الإعلام في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) ليعمل مصورا فوتوغرافيا "من أجل أولا، تقديم الخدمة للنازحين، وبعدها لنوثق الصور الإنسانية التي يجب أن يراها العالم".
تلك الصورة حاول نقلها عبر كاميرته في كل مرة ينزح فيها مع زملائه وأهالي غزة الآخرين حيث نزح في بداية الحرب من شمال القطاع، ثم نزح بعدها إلى المنطقة الوسطى، ثم رفح في الجنوب، وبعدها إلى منطقة المواصي، ثم عاد مرة أخرى إلى وسط غزة وتحديدا دير البلح، ليكون هذا "النزوح التاسع أو العاشر".
وعن الأوضاع في دير البلح، قال فادي لأخبار الأمم المتحدة "الناس فقدت الأمل في كل شيء. الناس أصابها الجوع، وأصابها المرض في فترات النزوح الكثيرة التي نزحوا فيها".
وما زاد هذا الوضع سوءا في وسط قطاع غزة، هو نزوح الناس من رفح بعد العمليات العسكرية الأخيرة هناك.
وأشار إلى أن عملية النزوح مكلفة، قائلا "نتحدث عن حوالي 1500 دولار كي تخلي أولادك إلى مكان آمن"، مضيفا أنهم منذ بداية التصعيد فقدوا كل شيء، "فقدنا بيوتنا، ومعداتنا، وكاميراتنا وعدساتنا، وأثاثنا. خرجت فقط مرتديا بنطالا وقميصا وحذاء. لكن الأمور طالت طوال ثمانية أشهر".
أطفال جوعى ومحرمون
مواقف صعبة كثيرة تمر على فادي أثناء عمله، وعلى المستوى الشخصي، ولكن أصعب ما وثقه "الأطفال الذين الجائعين والمحرومين. ما ذنب هؤلاء الأطفال، ومنهم من يبلغ من العمر خمس سنوات، أو ثلاث سنوات، أو أربع سنوات، أو المواليد في الحرب، ما ذنبهم أن يجوعوا؟".
ومن هؤلاء الأطفال كذلك من يأخذ أدوارا أكبر من أعمارهم، كما قال فادي، فبدلا من أن يكونوا في المدارس أو الروضات أو أماكن الترفيه، أصبحوا "يحملون أوعية المياه، وبعضها يملؤونه من مياه البحر، كي يستمروا في الحياة، وكي يعيشوا يوما واحدا، ولكن هذا اليوم مليء بالمعاناة والقهر والعذاب".
بعض الأطفال كانوا يقولون لفادي إنهم لم يأكلوا شيئا منذ ثلاثة أيام، ولم يشربوا مياها نظيفة، بل مياها ملوثة.
وأضاف "كنا نرى أطفالا ولدوا في مراكز الإيواء، أهلهم لم يكن لديهم حليب، أو حفاظات. كنا نرى آثار التعب والإجهاد على ملامح الناس من قلة الطعام، وقلة الموارد".
قصص تدمي القلوب
كثيرة هي القصص التي "تدمي القلوب" والتي عايشها فادي واستمع إليها، فإلى جانب نقص المياه والغذاء، هناك قصص عن المرض والتلوث، والأوبئة، وانتشار الحشرات والقوارض.
وكان على فادي وزملائه مواصلة عملهم رغم الضغط الكبير الذي يشكله الافتراق عن الأهل والأقارب.
وقال فادي "نمارس عملنا في مخيمات النزوح ولدينا ناس في شمال غزة، وفي الوسط، وفي مدينة غزة؛ عمات وخالات وأقارب. بالنا مشغول عليهم. كانت الأمور صعبة للغاية، مؤلمة للغاية، يائسة، وقاسية جدا، يعني لا يتحملها عقل ولا يتحملها قلب ولا يتحملها أي جسد".
وفي يوم من الأيام عندما لم يكن هناك طحين متوافر، بحث فادي عن رغيف خبز واحد ليسد رمق أولاده، لكنه لم يجد.
وقال "بالفعل رأينا الجوع، والتعب، والقهر، والعذاب. ولكن سنبقى نوصل الرسالة الإنسانية للعالم".
وأكد أن الناس في غزة بمن فيهم الأطفال والشيوخ والنساء، "هم مشاريع حياة وليسوا مشاريع موت". وقال فادي إن الناس يريدون أن يعودوا لطبيعتهم وبيوتهم، و"يريدون أن يعيشوا".