Breadcrumb
عزيمة لا يقهرها دمار الحروب: تهاني أبو دقة سيدة أعمال فلسطينية تكرس حياتها لمساعدة مجتمعها في غزة
تحفل قصة السيدة تهاني أبو دقة، وهي سيدة أعمال فلسطينية ووزيرة سابقة في السلطة الفلسطينية، بالكثير من الجوانب الملهمة. فقد كرست حياتها لمساعدة أهلها ومجتمعها في قطاع غزة من خلال بناء المشروعات الإنتاجية للنساء. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي يمر بها القطاع وتكرار دورات الحروب إلا أن عزيمتها لم تلن وظلت تخدم مجتمعها حتى في خضم الحرب الحالية.
ظلت تهاني أبو دقة في غزة لمدة 7 شهور منذ بدء الحرب الحالية، لكنها اضطرت إلى الخروج مؤخرا للمشاركة في بعثة مؤقتة إلى ألمانيا "لاطلاع البرلمان الألماني على خطورة الوضع في غزة وأثر الدعم الألماني لإسرائيل وكيف أنه يؤثر على أهالي القطاع" كما قالت لنا.
كانت أبو دقة بصدد الرجوع إلى غزة، ولكن تم إغلاق معبر رفح وهو ما أتاح لها فرصة المشاركة في المنتدى العالمي لريادة الاعمال والاستثمار، الذي عقدته مؤخرا منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) في العاصمة البحرينية المنامة.
شاركت أبو دقة في حلقة نقاش بعنوان: "المرأة والسلام والأمن: كيفية تعزيز الاستقرار في البلدان المتضررة من الصراعات من خلال تمويل رائدات الأعمال"، حيث سلطت الضوء على المعاناة التي يمر بها أهل القطاع.
موفد أخبار الأمم المتحدة إلى المنتدى عبد المنعم مكي التقى السيدة تهاني أبو دقة وأجرى معها حوارا مطولا تحدثت فيه عن عملها ومشروعاتها الرامية لمساعدة أهالي غزة.
إيجاد فرص عمل للنساء في غزة
تقول أبو دقة إنها بدأت حياتها كسيدة قروية لم تكمل تعليمها الجامعي، ولكنها "تمردت" على القيود المجتمعية وفكرة أن المرأة لابد أن تبقى بالمنزل. فقررت أن تكون "خارج البيت" كي تساعد النساء وتطور المجتمع.
وشرحت لأخبار الأمم المتحدة كيف أنها استخدمت المهر الذي حصلت عليه عند الزواج لا لشراء الذهب أو الملابس وإنما لإنشاء أول مشروع زراعي تقريبا في فلسطين وكان عبارة عن بيوت محمية. وقد ألهم المشروع الكثير من الناس في فلسطين وبدأوا في تطبيق الفكرة.
وتضيف أنها كانت أول سيدة فلسطينية تعمل على إنشاء مشاريع إنتاجية بهدف إيجاد فرص عمل للنساء، حيث أنشأت مصنعا للملابس ومصنعا للبسكويت وآخر للألبان. وأوضحت أن الهدف من هذه المشاريع كان لتشجيع النساء على البقاء داخل قطاع غزة بدلا من مغادرته بحثا ظروف أفضل.
وعن ذلك تقول: "قررت أن أوفر ظروفا داخل غزة مشابهة للظروف خارج القطاع. بنينا رياض أطفال ومراكز تدريب ومراكز لمحو الأمية بالإضافة إلى مشاريع أوجدت فرصا للنساء".
كان بإمكاني أن أستأجر بيتا صغيرا وأقيم فيه بعد النزوح، ولكن كان لابد لي أن أفعل شيئا كي أساعد الناس
وأضافت تهاني أبو دقة قائلة: "لكن منذ بداية 2007 بدأنا نشهد حربا كل 3 إلى 4 سنوات تدمر كل الذي بنيناه. آخر شيء قررت أن أعمل فيه هو مجال البيئة، وأنشأت مؤسسة دامور لتنمية المجتمع. وضعنا برامج عديدة مثل وضع أجهزة تستقطب الماء من الهواء، وكنا ننتج ماء صالحا للشرب لعدم وجود ماء صالح للشرب في قطاع غزة. ولأن المجاري كانت تشكل كارثة صحية، بدأت في عمل وحدات صغيرة لمعالجة مياه المجاري، وكانت كلها تعمل بالطاقة الشمسية. وعندما قررت أن أنشئ مشروعا كبيرا للطاقة الشمسية، واجهتنا مشكلة التمويل فأسست شركة اسمها 'حياة غزة' للطاقة المتجددة".
كانت السيدة أبو دقة على وشك الاحتفال بربط المشروع بالشبكة، ولكن اندلعت الحرب في غزة فتم تدمير المشروع وانقلبت الحياة رأسا على عقب. تقول أبو دقة إنها فجأة وجدت نفسها نازحة في منطقة ليست منطقتها بالقرب من البحر، مبينة أنه وبرغم نقص الأموال وضياع مشروعها وبرغم أنها أصبحت مدينة للبنك بأكثر من 2.5 مليون دولار، إلا أنها نسيت كل هذه المشاكل التي تمر بها ونسيت بيتها ومشروعها وبدأت تفكر في النساء وأطفالهن ممن يقيمون في الشوارع تحت المطر.
"في الوضع الذي نحن فيه ما من سبيل سوى أن نفكر في الناس. كان بإمكاني أن أستأجر بيتا صغيرا وأقيم فيه، ولكن كان لابد لي أن أفعل شيئا كي أساعد الناس الذين كانوا يعانون في الشوارع - وخاصة النساء والأطفال - تحت المطر بعد تهجيرهم من منازلهم".
وتتابع قائلة: "بدأت في جمع الأموال مني ومن أقاربي لبناء مخيمات، للأسف لم أجد خياما لأن كل الخيام كانت بحوزة المؤسسات الدولية والتي لم تكن جاهزة لهذا العمل في وقت الطوارئ، وبالتالي لم تتخذ أي إجراء سريع في هذا المجال، فبدأت أشتري الخشب من السوق وأبني المخيمات وجمعت متطوعين من الأقارب أيضا فبدأوا البناء بالليل وبالنهار".
البقاء في غزة ومساعدة الناس بدلا من المغادرة
تضيف أبو دقة أن أصدقاء لها من اليهود جمعوا لها مبلغ 5,000 دولار لمساعدتها على الخروج من غزة، ولكنها بدلا من ذلك استغلت المبلغ لبناء الخيام للناس. ثم بعد ذلك تقول إنها فكرت في بناء حمامات للنساء. وتقول إن ابنتها المقيمة في ألمانيا أطلقت مبادرة مع صديقتها باسم "كلين شيلتر Clean Shelter" أي المأوى النظيف، وتمكنتا من جمع أموال لبناء الحمامات. وقد ساهمت المبادرة في بناء 350 حماما في منطقة المواصي.
ولكن بسبب بعض المشاكل مثل انعدام أماكن استحمام النساء فكرت الدقة في بناء green shelter أو المأوى الأخضر وتشرح هذا الأمر بالقول: "استخدمنا الطاقة الشمسية كي تتمكن النساء من الحصول على الماء الدافئ للاستحمام. جمعت مواد من السوق وجمعت أفكار الشباب والذين تمكنوا من بناء كل الذي كنا نحلم به وبنينا أشياء جميلة. بنينا مطابخ وغرف طعام وغرف غسيل باستخدام الطاقة الشمسية. جمعنا الألواح الشمسية المكسرة وركبناها وضخخنا المياه. صنعنا نظاما محليا لمعالجة المياه المالحة".
توليد الغاز من النفايات
وتقول تهاني أبو دقة إن العمل مستمر في بناء المجاري لأنه لا توجد مجار للصرف الصحي في المنطقة. "نعمل الآن على نموذج لجهاز لتحويل مياه المجاري والنفايات لغاز كي يتم استعماله في الطبخ لأن الناس اليوم يستعملون نار الخشب وهذا ملوث للبيئة. ولذا فنحن اليوم نفكر في إنتاج الغاز".
تقول أبو دقة إنها استأجرت أرضا لبناء مخيم كبير لاستيعاب أكثر من 200 ألف أسرة نزحت مؤخرا من رفح وهي تحاول الآن تطويره وبناء منازل جاهزة ومنازل من الطين، "واليوم ندرب الشباب على كيفية بناء منازل من الطين وبالإضافة إلى ذلك نعمل على إدخال خيام متطورة لأن الخيام التي بنيتها لا تصلح للصيف".
الوضع في غزة أشبه "بالعصر الحجري"
الوضع في غزة بات أشبه بـ "العصر الحجري"، وفقا للسيدة أبو دقة، مشيرة إلى أن أهل القطاع فقدوا كل شيء وبالتالي يتعين عليهم البدء من جديد وتضيف:
"نحن بحاجة حتى لأصغر الأمور، نحن بحاجة إلى أن نبتكر أشياء من المكونات المحلية كي نتمكن من معالجة الكوارث البيئية مثل النفايات ومياه المجاري لأن الأمراض بدأت تنتشر. أود أن أنوه أن معظم الرياديين ومعظم رجال الأعمال والقيادات في قطاع غزة خرجت وتركت الناس لوحدهم والناس بحاجة إلى تكاتف الجهود والأيدي كي نتمكن من مساعدة من أنقذهم الله من الموت وأن ننقذهم من الإصابة بالأمراض الخطيرة".
مستقبل قاتم في غزة؟
أما عن مستقبل الوضع في غزة، فتقول السيدة تهاني أبو دقة إنه سيكون "صعبا جدا حسب تصوري". واستبعدت إمكانية بدء إعادة إعمار غزة قبل خمس أو سبع سنوات، وتابعت قائلة: "الوضع صعب جدا، انمحت كافة البنية التحتية ومعالم البلد. ستكون هناك حرب بعد هذه الحرب، وهي الحرب على الممتلكات وعلى الأماكن. وبالتالي ستكون هناك مشاكل كثيرة. وأتوقع أيضا أن الممولين لن يعملوا على إعادة البناء هذه المرة. أنا أيضا لا أفضل أن نعيد إعمار غزة بدون التوصل لحل شامل ودائم. يجب أن يكون هناك دعم للتوصل لحل شامل ودائم كي نتمكن من البدء في إعادة إعمار غزة، وهذا يحتاج إلى الوقت، وبالتالي فنحن بحاجة لإيجاد بدائل، نحن بحاجة إلى المدارس والمستوصفات الصحية. وكل هذه الأمور نحن بحاجة إلى بنائها في المخيمات على أساس أننا سنستمر في المخيمات لفترة طويلة".