Breadcrumb
مساع أممية لتحقيق الأهداف الصحية العالمية في شرق المتوسط رغم الصعاب
يسلط الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة الضوء على الصحة العامة بشكل لم يسبق له مثيل، حيث تقام فعاليات عدة في المقر الدائم بنيويورك تهدف إلى تعزيز الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها، وتوفير التغطية الصحية الشاملة، والقضاء على مرض السل.
للتعرف على الأحداث التي تجري على هامش المناقشة العامة، استضفنا في ستوديو أخبار الأمم المتحدة الدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لمنطقة شرق المتوسط.
حدثنا الدكتور المنظري عن التحديات التي تواجه المنطقة في هذه المجالات والعمل الجاري لتحقيق الأهداف المرجوة. كما أخبرنا عن آخر التطورات في مدنية درنة الليبية وعما تقوم به المنظمة للاستجابة لحالة الطوارئ التي خلفتها الفيضانات المدمرة هناك.
الدكتور أحمد المنظري: اجتماعات الأمم المتحدة رفيعة المستوى تميزت ولله الحمد بمجال واسع للصحة بشكل عام ولأعمال منظمة الصحة العالمية ولأعمال السلطات الصحية المختصة في كل دول العالم. هناك الكثير من النقاشات وحلقات العمل واللقاءات الجانبية والنقاشات التقنية، وطبعا على قمة القائمة من هذه النقاشات الخروج بقرارات سياسية تخدم مختلف البرامج التي تلامس صحة الفرد والمجتمع في كل دول العالم. خلال هذه الأيام تم طرح أجندات لها علاقة مباشرة بالصحة. على سبيل المثال، التغطية الصحية الشاملة، مكافحة مرض السل أو الدرن من أجل تحقيق هدف إنهائه في سياق أهداف التنمية المستدامة، وكذلك مناقشة الإطار العام من أجل التجهيز والإعداد والتعامل والوقاية من الطوارئ والأمور المرتبطة بها.
أخبار الأمم المتحدة: هناك فجوة إنمائية كبيرة بين بلدان المنطقة، ما الذي يمكن أن تفعله منظمة الصحة العالمية لتعزيز تكافؤ الفرص فيما بينها لتحقيق الأهداف المرجوة من هذه الفعاليات؟
الدكتور أحمد المنظري: طبعاً أحد أهم الدروس التي تعلمناها من جائحة كوفيد-19 هو الفجوة بين الدول المقتدرة والتي لديها قدرات جيدة في أنظمتها الصحية مقارنة بالدول ذات الموارد والقدرات المحدودة في أنظمتها الصحية. قمنا بالعمل مع السلطات الصحية ومختلف قطاعات الدولة والمنظمات الأممية والداعمين والشركاء من أجل ضمان تقليص هذه الفجوة عن طريق اتخاذ عدد من الخطوات فيما يخص مختلف جوانب ولبنات النظام الصحي. في المقام الأول، يجب أن نعمل على ضمان الحصول على تمويل مالي مناسب للنظام الصحي، مما يمكنا من العمل على اللبنات الخمس الأخرى، ومنها توفير كادر عامل صحي فني وإداري مالي للنظم الصحية من حيث العدد والنوع، توفير المستلزمات الطبية، أتمتة (التشغيل الآلي أو باستخدام النظم الأوتوماتيكية) أو على الأقل ضمان الحصول على المعلومات المناسبة عن المرض والصحة وعدد السكان والاحتياجات الصحية لجميع أفراد المجتمع باستخدام نظم سهلة وميسرة مما يقود إلى أتمتة النظم الصحية.
أحد هذه الدروس التي عملت عليها المنظمة بنجاح هو العمل على توفير المستلزمات الصحية والتطعيمات والعينات المخبرية للعاملين الصحيين والمرضى كذلك. فعلى سبيل المثال، قمنا بالتعاون والتعاقد مع الشركات العالمية المعروفة في إنتاج اللقاحات لفتح خطوط إنتاج في دول كانت من الصعوبة بمكان أن تبني مصانع لإنتاج اللقاحات، بما في ذلك في ست دول أفريقية منها مصر وتونس.
أخبار الأمم المتحدة: شهد المقر الدائم اجتماعا حول جهوزية الدول للجوائح المحتملة المقبلة، هل تعتقد أن دول المنطقة مستعدة لمثل هذه الجوائح وهل تولي الدول الاهتمام الذي تستحقه هذه القضية؟
الدكتور أحمد المنظري: هذا سؤال مهم جدا، ولكن حتى أكون صريحا معك، كما هو معروف للأسف 50 في المئة من هذه الدول تعاني من مختلف أنواع الأزمات والطوارئ. لدينا دول تعاني من عدم استقرار سياسي وقلاقل سياسية وحروب، ودول وتعاني من كوارث طبيعية – بما في ذلك الزلازل والفيضانات والجفاف.
فقد اجتاحت الفيضانات باكستان العام الماضي، عانى الصومال وجزء من جيبوتي في القرن الأفريقي من الجفاف والمجاعة العام الماضي. لدينا الزلزال الذي ضرب سوريا بداية السنة وحاليا زلزال المغرب، والأعاصير التي ضربت مختلف الدول، من ضمنها ليبيا طبعا الأسبوع الماضي. هذه العوامل أدت إلى هشاشة وضعف في النظام الصحي والأنظمة الأخرى، كالبنى التحتية على سبيل المثال وتوفر مياه الشرب النظيفة والكهرباء. بالتالي نواجه صعوبة في الاستعداد للجوائح والطوارئ في دول إقليم شرق المتوسط.
من جانب آخر لدينا دول مستقرة ولديها الموارد الكافية ونظمها الصحية قوية وعملت فعلا على الاستفادة من الدروس التي تعلمناها من كوفيد-19 وتقوية نظمها الصحية، بما في ذلك دول الخليج ومصر والأردن والمغرب وإيران. هذه الدول فعلا عملت على تقوية نظامها الصحي والاستفادة من الدروس والعبر. فهناك تحد كبير، لكن نحن متسلحون بالتفاؤل وروح التعاون والالتزام.
أخبار الأمم المتحدة: في هذا السياق، كما ذكرت عدد من دول المنطقة تواجه الفقر والصراعات وتحديات أخرى جمة. تبدو التغطية الصحية الشاملة بمثابة حلم بعيد المنال للعديد من الناس حول العالم، كيف يمكن عمليا ضمان تحقيق هذا الهدف بحلول عام 2030 مع هذه التحديات؟
الدكتور أحمد المنظري: هنا تكمن مقدرتنا كمنظمة صحة عالمية ومنظمات أممية أخرى ذات صلة في هذا المجال وكداعمين وشركاء للتغلب على تلك العقبات. لدينا دول تعاني من الحروب. السودان الآن أقرب مثل لهذا. الحرب التي دخلت شهرها السادس عرضت النظام الصحي للكثير من الهشاشة. حوالي 80 في المائة من المؤسسات الصحية في مناطق الصراع لا تعمل وبقية المؤسسات التي تعمل تعاني من نقص إما في العاملين الصحيين أو في الموارد وإمدادات الكهرباء والمياه. كان لهذا تأثير عميق وسلبي جدا على هدف التغطية الصحية الشاملة. لكننا نسعى من خلال مختلف البرامج لضمان حصول الأفراد والمجتمعات في تلك الدول على خدمات صحية تناسبهم عن طريق العيادات المتنقلة وإنشاء مستشفيات ميدانية وتعزيز المستشفيات في المناطق التي فيها استقرار نوعا ما. هذه إحدى الخطوات التي نقوم بها في الدول التي تعاني من مثل هذه الظروف.
هناك تعاون مع السلطات الصحية في الدول التي تعاني من الكوارث، مثل ليبيا والمغرب على سبيل المثال، من أجل ضمان وصول الفرد والمجتمع إلى خدمات صحية في أقرب فرصة، وخاصة للفئات التي نطلق عليها الفئات الضعيفة أو الأكثر عرضة للمشاكل الصحية، بما في ذلك الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن والذين يعانون من أمراض مزمنة.
هناك قائمة طويلة من التحديات، ولكن لدينا قصص نجاح في هذه الدول ونسعى إلى اختزال الزمن وتوفير ما يمكن توفيره من خلال التعاون مع الجميع.
أخبار الأمم المتحدة: لا يزال السل يشكل مصدر قلق بالغ لعدد من دول منطقة شرق المتوسط. هل تعتقد أن المنطقة قادرة على تحقيق هدف القضاء على السل بحلول عام 2030؟
الدكتور أحمد المنظري: والله نأمل هذا، ولكن كما ذكرت لك، هناك قائمة من التحديات والصعوبات والمعوقات التي قد تؤخرنا قليلا عن الوصول للهدف. لكن هذا الموضوع أثير في عدد من اللقاءات الفنية والسياسية على مستوى دول الإقليم. تمت إثارة الموضوع في اجتماعات اللجنة الإقليمية وخرجنا بعدد من التوصيات والاتفاق بين الدول الأعضاء لتعزيز النظم الصحية من أجل التعامل مع هذا الموضوع.
نظمنا الصحية، حتى في الدول المستقرة والتي ليست لديها صراعات وحروب، تعاني في هذا المجال إما بسبب وجود أعداد كبيرة جدا من النازحين والمهاجرين الذين سببوا نوعا من الضغط على نظام الصحة. وبالتالي لا أقول إهمالا، ولكن هناك إغفال لهذا النوع من الأمراض ضمن البرامج الصحية التي يتم التركيز عليها بشكل دقيق جدا.
في الجانب الآخر من الدول التي تعاني من هشاشة في نظمها الصحية بسبب الحروب وعدم الاستقرار السياسي والكوارث الطبيعية، هناك قائمة طويلة جدا من المشاكل الصحية التي تركز عليها لتغفل نوعا ما عن مثل هذه الأمراض.
لكن، كما ذكرت نعمل على جلب الانتباه والتركيز على هذا النوع من الأمراض لأنه فعلا إذا لم نعمل على تحقيق ذلك الهدف ستكون عواقب هذا المرض وخيمة جدا والتكلفة ستكون باهظة جدا على النظم الصحية وعلى الأسر والأفراد مما سيؤثر على التطوير والنمو والرقي والإنتاج الاقتصادي في مثل هذه الحالات.
أخبار الأمم المتحدة: أود أن أغتنم هذه الفرصة للحديث معك عن الوضع في درنة. وكما تعلم، هناك نقص في الأدوية والمعدات الطبية، هل لك أن تخبرنا عن الدعم الذي تقدمه المنظمة للمتضررين من الفيضانات هناك؟
الدكتور أحمد المنظري: نحن ولله الحمد قمنا بتحريك الموارد الموجودة لدينا في المنظمة على المستوى القطري والإقليمي والرئيسي، بما في ذلك التمويل. بقرار من المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تم تحريك ما يقرب من مليوني دولار من برنامج الطوارئ لتوفير المستلزمات الأساسية. إضافة إلى ذلك عملنا مع المنظمات الأممية الأخرى من خلال نداء الإغاثة، وحصلنا على ما يقارب من ثلاثة ملايين دولار. تم استخدام هذه المبالغ لتوفير المستلزمات الصحية والطبية، بما في ذلك المواد الجراحية والأدوية ومواد حماية العاملين الصحيين وبعض الأجهزة والمعدات الخفيفة. كما قمنا بإرسال شحنتين - كل شحنة تتكون من 29 طنا متريا - خلال الأسبوع الماضي، وهناك ما يقرب من 130 طنا متريا جاهزة للنقل خلال الأيام القادمة لضمان حصول المؤسسات الصحية في تلك المناطق على هذه المستلزمات. كذلك قمنا بتوفير طواقم طبية ذات تخصصات تناسب الوضع الحالي، على سبيل المثال العمليات الجراحية وطب الطوارئ وطب الحوادث وطب الإصابات. قمنا بمراجعة نظام التقصي الوبائي حتى نضمن عدم ظهور أوبئة في مثل هذه الحالات سواء الأوبئة المنقولة عن طريق مياه الشرب كالكوليرا أو الأمراض المنقولة عن طريق النواقل الأخرى كالبعوض، مثل الحمة النزفية أو الملاريا. قمنا بالتعاون مع السلطات الصحية لضمان بقاء نظام التطعيم الشامل للأطفال لكفالة عدم ظهور أمراض بينهم كالحصبة وشلل الأطفال وغيرهما.
كما قمنا بمراجعة الأضرار التي تكبدتها المؤسسات الصحية في تلك المناطق وهي قائمة طويلة جدا. نحن نتعاون مع السطات الصحية على إعادة تأهيل وبناء تلك المؤسسات لضمان حصول الجميع على خدمات صحية قريبة من مناطقهم، وحتى ننتهي من ذلك العمل نتعاون على توفير خدمات صحية من خلال عيادات متنقلة إلى المناطق المتضررة.
قمنا بتدريب عدد كبير من الأطباء والعامليين الصحيين في مختلف البرامج الصحية مثل التقصي الوبائي وإجراء العمليات والتعامل مع الحوادث والطوارئ. نقوم كذلك بتوفير منصات علمية من خلال القنوات المعروفة في المنظمة من أجل حصول العاملين الصحيين على معلومات تناسبهم وبكل يسر وسهولة الوصول إلى آخر ما وصلت إليه العلوم في مثل هذه الحالات التي تضرب العالم من الكوارث الطبيعية. الفريق الآن موجود في درنة من أجل الوقوف ومساندة بقية العاملين الصحيين الموجودين هناك.
أخبار الأمم المتحدة: هناك مخاوف بين السكان من احتمال انتشار أمراض معدية بسبب الفيضانات، هل ترجمت هذه المخاوف أم تم ضبط الوضع حتى الآن؟
الدكتور أحمد المنظري: هي مخاوف واردة ومنطقية. فمياه الشرب على سبيل المثال تأثرت بشدة وبالتالي هناك مخاوف من انتشار مرض الكوليرا والأمراض المرتبطة بالمياه غير النظيفة. ولذلك نعمل مع السلطات المختصة لتوفير مياه نظيفة سواء عن طريق الناقلات أو حفر آبار بعيدة عن المناطق المتضررة، كذلك الغذاء المناسب لمختلف أفراد المجتمع، وبالأخص الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن، وتقديم الدعم النفسي لأنه بعد وقوع مثل هذه الكوارث هناك ردات فعل نفسية بين الجميع، وبالأخص الأطفال. لذلك نعمل على توفير خدمات صحية نفسية ضمن حزمة الخدمات الصحية الأساسية. هذه مطالب أساسية يجب أن نعمل عليها الآن ومن دون تأخير.
أخبار الأمم المتحدة: هل تتلقون دعما كافيا للقيام بجميع هذه الأعمال؟
الدكتور أحمد المنظري: والله الدعم طبعا غير كاف، ولذلك نناشد الجميع، سواء داعمين أو شركاء، توفير الموارد المالية اللازمة للتعامل مع مثل هذه الكوارث. كما ذكرت هناك نداء للإغاثة، ولكن للأسف لم نتمكن من الحصول على التمويل المناسب من أجل خدمة ما يقرب من 250 ألف شخص في تلك المناطق. قمنا بتوفير تلك المستلزمات، لكن كما هو معروف، الأعداد أكثر بكثير من هذا الرقم بسبب تأثر المناطق على الأطراف بفعل عدم توفر خدمات صحية ومياه نظيفة ومدارس. هناك احتياجات كبيرة جدا. أناشد الجميع تقديم الدعم المناسب والملائم لهم.