تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إغلاق دوامة الكراهية: الناجون من الهولوكوست يوجهون رسالة قوية عبر فيلم وثائقي جديد

وسط الارتفاع الأخير في أعمال العنف المعادية للسامية في جميع أنحاء العالم، أظهر عرض أحدث فيلم وثائقي للمخرج السينمائي الشهير كين بيرنز، في الأمم المتحدة، فصلا مظلما في تاريخ الولايات المتحدة.

وسلط نقاش صريح رفيع المستوى في المقر الدائم الضوء على قانون جديد مقترح لـ لإغلاق "دوامة" الكراهية والمعلومات المضللة عبر الإنترنت.

ويلقي الفيلم الوثائقي المعنون "الولايات المتحدة والمحرقة" والذي خرج للنور عام 2022، الضوء على العواقب الكارثية لخطاب الكراهية والمعلومات المضللة، والسعي اليائس من أجل الحرية من قبل ملايين اليهود الفارين من ألمانيا النازية.

طعم الحرية

ماذا يشبه طعم الحرية؟ وصف جوزيف هيلسنراث، الذي تم إجلاؤه إلى الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية عندما كان صبيا صغيرا، هذا الإحساس ضمن الفيلم، فقال "طعم الحرية رائع".

لدى تذكر السيد هيلسنراث رؤية تمثال الحرية في نيويورك لأول مرة عام 1942 على متن سفينة تقله هو و49  طفلاً آخر من فرنسا، اغرورقت عيناه بالدموع وكذلك عيون البعض من الجمهور الذين حضروا إلى الأمم المتحدة لمشاهدة نسخة عن الفيلم الوثائقي مدتها 44 دقيقة، والحديث مع المخرج.

كشف النقاب عن الماضي العنصري

ويدرس الفيلم الوثائقي صعود أدولف هتلر والنازية في ألمانيا منذ أواخر الثلاثينيات في سياق معاداة السامية والعنصرية العالمية جنبا إلى جنب مع حركة تحسين النسل والقوانين العنصرية في الولايات المتحدة، والتي تم إلغاؤها في أواخر الستينيات.

من خلال استعراض حقائق غير معروفة، يسرد الوثائقي قصص جوزيف وأخته وأربعة ناجين آخرين من المحرقة النازية التي أدت إلى مقتل ستة ملايين يهودي، العديد منهم بواسطة غرف غاز مصممة خصيصا في معسكرات الاعتقال مثل أوشفيتز في أوشفيتشيم، بولندا.

وحشية لا يمكن تصورها

وتضمنت الصور التي نادرا ما شوهدت من متحف ذكرى الهولوكوست بالولايات المتحدة، صورا "تذكارية" التقطها ضباط نازيون لعمليات إعدام رميا بالرصاص لـ15 فردا على حافة حفر عميقة في الأرض، والتي كانت بمثابة مقابر جماعية لمئات آلاف الضحايا. كما تضمنت أدلة دامغة على المقاومة والبطولة وبقاء اللاجئين اليهود على قيد الحياة في ظل حملة التضليل النازية التي أدت إلى الإبادة الجماعية.

شرطي ألماني يتحقق من أوراق هوية اليهود في حي كراكوف في بولندا. حوالي عام 1941.
© National Archives in Krakow
شرطي ألماني يتحقق من أوراق هوية اليهود في حي كراكوف في بولندا. حوالي عام 1941.

"ربما يشهد لنا التاريخ"

خلال إحدى الانتفاضات المميتة، خبأ قادة المقاومة اليهودية علب حليب معدنية مليئة بأوراق مكتوب عليها ما واجهوه من فظائع. كتب أحد المراهقين طلبا مؤلما: "عسى أن يشهد لنا التاريخ".

وتحذر قصص الناجين والمقابلات مع المؤرخين تحذيرا صارخا من موجة حملات الكراهية التي تغذي حاليا خطاب إنكار محرقة اليهود وتزايد معاداة السامية.

فمؤخرا (في مطلع شهر شباط/فبراير 2023)، تم تخريب تمثال تذكاري للهولوكوست في السويد، ورسم صليب معقوف على حجر قبر في مقبرة في أستراليا، وألقيت زجاجة مولوتوف على كنيس يهودي في الولايات المتحدة.

في حين أشار الفيلم الوثائقي إلى أن الولايات المتحدة قد استضافت المزيد من اللاجئين اليهود الفارين من النازيين أكثر من أي دولة أخرى، كان بإمكان البلاد - بل كان عليها - أن تفعل المزيد لمنح الحرية لمن هم في أمس الحاجة إليها، على حد قول السيد بيرنز. ويهدف الفيلم إلى رفع مستوى الوعي، بما في ذلك حول اليأس الذي يواجهه اللاجئون في الماضي والحاضر.

العلكة والأمان

بالنسبة لشقيقة السيد هيلسنراث، سوزان وارسنجر، كان أول مذاق تتذكره عند وصولها إلى جزيرة إليس في نيويورك في الأربعينيات من القرن الماضي أثناء تيسير أوراقها كلاجئة عبارة عن حلوى طرية لزجة "خبز وندر" “Wonder Bread” وحبة حلوى غامضة استمرت في مضغها طوال اليوم- كان ذلك مذاق أول علكة فقاعية ومذاق الأمان الحقيقي بعد إجلائها من فرنسا.

غير أن المذاق العام لتلك الحقبة كان حلوا ومرا. كانت السيدة وارسنجر واحدة من حوالي 200 ألف لاجئ يهودي استضافتهم الولايات المتحدة التي رفضت الكثير- أكثر بكثير مما اعترفت به.

تم تأسيس أكثر من 100 مجموعة معادية للسامية في جميع أنحاء البلاد، والتي كانت متخفية في ظل اقتصاد راكد، وفصل عنصري، وحذر عام من المهاجرين.

بعد مذبحة الكريستال Kristallnacht pogrom عام 1938 في ألمانيا النازية، قال السيد بيرنز إن دراسة استقصائية في الولايات المتحدة كشفت أن حوالي 85 في المائة من المشاركين البروتستانت والكاثوليك المسيحيين "لم يرغبوا في السماح للاجئين بالدخول".

مهاجرون ينتظرون في جزيرة إليس في تشرين الأول / أكتوبر 1912.
© Library of Congress
مهاجرون ينتظرون في جزيرة إليس في تشرين الأول / أكتوبر 1912.

النازيون ينسخون القوانين العنصرية الأمريكية

خلال هذا الوقت، صاغ الفقهاء النازيون تشريعات معادية للسامية باستخدام قوانين الفصل العنصري الأمريكية والقوانين المناهضة للتجانس التي تستهدف الأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي.

اعتمد حظر الزواج بين الأعراق الذي فرضه النازيون بشكل كبير على قوانين مماثلة - تم فرضها منذ عام 1691 - والتي ألغتها المحكمة العليا للولايات المتحدة في نهاية المطاف عام 1967.

عندما أدانت الولايات المتحدة ألمانيا بسبب حملتها ضد الشعب اليهودي، "رد النازيون: ميسيسيبي" Mississippi، كما قال المخرج المشارك كين بيرنز في فقرة الأسئلة والأجوبة بعد عرض الوثائقي، وذلك في إشارة إلى ولاية ميسيسيبي الجنوبية التي تم فيها التمسك بالقوانين العنصرية في القرن العشرين.

ومن بين الأسئلة، سؤال حول ما تعلمه صانعو الفيلم من الكاتبة آن فايس التي كانت قد استهلت مداخلتها بالقول "ليس لدي عائلة تقريبا لأنها في تلك الحفر".

ضرورة تثقيف الجيل الجديد حول ما جرى 

وردا على ذلك، قالت لين نوفيك، المخرجة المشاركة، إنها فوجئت بمعرفة المزيد عن الجانب المظلم للتاريخ الذي نادرا ما يتم تدريسه في المدارس.

وقال السيد بيرنز: "لن نعمل على فيلم أكثر أهمية من هذا في حياتنا المهنية"، معربا عن أمله في أن يصل إرث قصص الناجين ودروس التاريخ إلى جمهور عريض.

في هذا السياق، تقدم خدمة البث العامة (PBS) في الولايات المتحدة الآن الفيلم والمواد التعليمية ذات الصلة، كما قالت السيدة نوفيك، مشددة على أن المعلمين "في الخطوط الأمامية لقول الحقيقة حول التاريخ".

كما أعرب بعض أفراد الجمهور عن دهشتهم من الدروس التي تعلموها من الفيلم.

وقالت ميليسا فليمنغ، رئيسة إدارة التواصل العالمي في الأمم المتحدة، وهي أمريكية نشأت في الولايات المتحدة، والتي استضافت العرض إنها لم تتعلم أيا من ذلك في المدارس.

المخرج السينمائي كين بيرنز يناقش فيلمه في مقر الأمم المتحدة.
Ken Burns
المخرج السينمائي كين بيرنز يناقش فيلمه في مقر الأمم المتحدة.

مدونة جديدة لقواعد السلوك في الأمم المتحدة

قبل العرض، لفت حدث جانبي رفيع المستوى حول جهود العولمة لمكافحة معاداة السامية الانتباه إلى التعلم من الماضي واستخدام مبادرات جريئة للتصدي لمعاداة السامية المتزايدة اليوم.

وقالت السيدة فليمنغ إنه يتم العمل الآن على وضع مدونة جديدة لقواعد السلوك. تكتسب حملات الأمم المتحدة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تستخدم وسم #NoToHate و #ProtectTheFacts زخما، كما أن منشورا مشتركا مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بعنوان "التاريخ يتعرض للهجوم: إنكار محرقة اليهود والتشويه على وسائل التواصل الاجتماعي" – سيضم أيضا حلقة نقاش ذات صلة مع المجتمع المدني.

كما أنشأت الأمم المتحدة برامج حول المحرقة والإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا إلى جانب استراتيجيتها وخطة عملها بشأن التصدي لخطاب الكراهية. في عام 2022، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا لمكافحة إنكار محرقة اليهود.

معاداة السامية "جائحة عالمية"

في الحدث الجانبي، أشاد السفير الإسرائيلي جلعاد إردان، وهو نفسه حفيد ضحايا المحرقة، بالجهود المستمرة، لكنه قال "يجب على الأمم المتحدة أن تفعل المزيد".

وأضاف: "الكلمات لا تكفي. الكلمات البغيضة تتحول دائما إلى أفعال عنيفة. معاداة السامية جائحة عالمية. لا ينبغي أن يعيش أي يهودي في رعب".

الصمت "ليس خيارا"

قال دوغ إيمهوف، زوج نائبة الرئيس الأمريكي، متحدثا في الفعالية، إن الجهود يجب أن تشمل التراجع عن إنكار محرقة اليهود، مع فرض عواقب على أولئك الذين ينخرطون في نشر معاداة السامية.

وأضاف "الصمت ليس خيارا". يجب علينا جميعا أن نتحدث ضد معاداة السامية وأن نبني تحالفات للتصدي لموجة الكراهية هذه. أي تهديد لمجتمع واحد هو تهديد لجميع المجتمعات. يجب أن نغرس المعرفة لمحاربة معاداة السامية".

وحذرت السفيرة الأمريكية ليندا توماس غرينفيلد، التي شاركت في استضافة الحدث، من إثارة الكراهية، سواء عبر الإنترنت أو بشكل شخصي.

وقالت: "تنتشر معاداة السامية في جميع أنحاء العالم وهي آخذة في الازدياد. نحن بحاجة للوقوف في وجه هذا التهديد والدفاع عن الشعب اليهودي في كل مكان".

شميئيل وعائلته في بوليشو ببولندا عام 1934.
© Mendelsohn Family
شميئيل وعائلته في بوليشو ببولندا عام 1934.

وقف "معاداة السامية الرقمية"

وقالت السيدة فليمنغ إن محاربة "معاداة السامية الرقمية" أمر ضروري، مسلطة الضوء على خوارزميات الإنترنت المثيرة للقلق مثل "6mwe" - "ستة ملايين لم تكن كافية" - في إشارة إلى عدد اليهود الذين قتلوا على يد النازيين.

وحذرت من أن تقريرا للأمم المتحدة صدر عام 2022 أفاد بأن معاداة السامية منتشرة على بعض المنصات، وأن 50 في المائة من المشاركات على منصة Telegram للتواصل الاجتماعي تتعلق بإنكار محرقة اليهود. لمكافحة هذا الاتجاه، تشارك الأمم المتحدة مع منصتي Facebook وTikTok لنشر المعلومات الدقيقة.

"دوامة الكراهية"

وقالت وكيلة الأمين العام لإدارة التواصل العالمي: "الكراهية تنتشر على نطاق واسع"، مضيفة أن الخوارزميات الشائنة تقود الناس إلى "دوامة من الكراهية" والمعلومات المضللة، بما في ذلك الحركات التي تنكر وقوع المحرقة.

وقالت: "نناشد شركات التكنولوجيا أن توقف هذا لأن مخاطر التشويه والإنكار كبيرة للغاية"، محذرة من أن الأكاذيب حول "إبادة البيض" بدأت بالانتشار، مما أدى إلى تأجيج العنف وجمع المتابعين عبر الإنترنت.

وقالت: "اعتدنا الضحك على صعود Q-Anon، لكننا رأيناها تدخل بقية العالم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي"، في إشارة إلى الحركة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها والتي تغذي نظريات المؤامرة والمجموعات الأخرى التي "أعيد تجميعها لعصر الإنترنت".

وقالت: "نحن في لحظة نحتاج فيها إلى جرس إنذار. تشويه محرقة اليهود هو هجوم على الحقيقة التاريخية".